الوفاء لإدلب: هل نملك ما يكفي لردّ الجميل؟

هل ستكون هذه الحملة على قدر تطلّعات السوريين، وعلى حجم رمزية إدلب؟ هل نفي إدلب حقها؟

 

بقلم أمين التحرير: فراس اليحيى  

منذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة السورية، كانت إدلب جزءأً لا يتجزأ،من مشهد المظاهرات العارمة، التي اجتاحت الساحات.

حيث كانت السبّاقة في المظاهرات مدينةً وريفاً، ولم تتراجع، رغم العنف، الذي سبّبه نظام الأسد، الذي استخدم كافة الوسائل لإخماد حِراكها، وخاصةً لما لها من تأثيرٍ كبيرٍ على نظام الحكم.

إدلب كانت – وما زالت –حاضنة الثورة، ومسرحاً لمعارك طاحنة، شكّلت نقطة تحوّل، في مسار الأحداث.

واليوم، وبعد أكثر من أربعة عشر عاماً من القصف والتشريد، وانتصار إدلب على معقل الأسد، وتدمير نظامه الذي امتدّ لأكثر من نصف قرن، أطلقت الفعّاليات المجتمعيّة بالتعاون مع الجّهات الرسميّة،حملةً جديدةً بعنوان “الوفاء لإدلب”، لتعيد تسليط الضوء، على مدينةً لا تزال تنزف، ولا يزال أهلها في خيام التهجير، الذي سبّبها نظام الأسد البائد، حيث يتقاسمون الغبار في الصيف، والصقيع في الشتاء.

ما الذي يعنيه “الوفاء لإدلب”؟ وهل تكفي حملة تبرعات – مهما كانت صادقة النيّة – لردّ شيء من الجميل، لمدينة لم تبخل يوماً، بتقديم أبنائها، قرباناً لثورة الكرامة والعزّة؟ وهل سيكون ردّ الجميل، لهذه المدينة كافياً، لترميم ما دمّرته آلة القتل والخوف، التي قادتها عصابات نظام الأسد ومن والاه؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه، ليس من باب التشكيك، بل من باب الصدق والمسؤولية.

في الذاكرة الجماعية للسوريّين، إدلب ليست مجرّد محافظة، وليست مجرّد جغرافيا.

إدلب هي الرمز، والصوت الذي لم يخفت رغم القصف المتواصل، والملجأ الذي احتمى فيه آلاف المهجّرين من مناطق أخرى، وهي أيضاً المكان الذي صمد، عندما سقطت مناطق كثيرة. وفي الوقت الذي كان فيه البعض، يساوم على البقاء، كانت إدلب تقاتل، وتصبر، وتدفع الثمن.

اليوم، تعيش إدلب واحدةً من أسوأ مراحلها الإنسانية. عشرات آلاف العائلات تعيش في مخيمات لا تصلح للبشر، لم يتمكّنوا من العودة إلى منازلهم، في ريف إدلب الجنوبي والشرقي، بسبب تدمير البيوت، بشكل شبه كامل، مع حرق للأراضي الزراعية والممتلكات، ومع كلّ هذا لم تفقد إدلب صلابتها، لكن الناس فيها باتوا على حافة الانهيار:” نفسيّاً، اقتصادياً، وإنسانيّاً”.

تنطلق حملة “الوفاء لإدلب”  في 26/9/2025 كمبادرة مجتمعية، يقودها ناشطون، بالشراكة مع منظمّات إنسانيّة، وجهات حكوميّة، وفرق تطوعيّة. بهدف جمع تبرّعات، ماليّة، ومادّية لإعادة إعمار، ما أمكن من الريف المدمّر، ودعم سكّان المخيّمات،الذين أنهكتهم السنوات.

مثل هذه المبادرات تستحقّ كلّ الدّعم، والثناء. فبعيداً عن الحسابات السياسيّة، تبقى القضايا الإنسانية، فوق كل اعتبار، ويكفي أن نرى هذه المبادرة، تأتي من أبناء البلد أنفسهم، لا من مؤتمرات دوليّة، أو وعود حكومات، لنعلم أنّ هذا الشعب ما زال ينبض بالحياة، وما زال قادراّ على العطاء، حتى وهو في أقسى ظروفه.

لكن هنا يبرز تساؤل مشروع:

هل ستكون هذه الحملة على قدر تطلعاّت السوريّين، وعلى حجم رمزيّة إدلب؟ هل نفي إدلب حقًها؟

حين تحمل حملة اسم “الوفاء لإدلب”، فإنها ترتبط تلقائياً بمعانٍ أكبر من مجرد ترميم منزل، أو توزيع سلة غذائية.

نحن نتحدث عن محافظة دفعت الثمن الأكبر، في المواجهة مع نظام الأسد البائد، وما زالت تحت مرتّبات ومخلّفات الحرب الطويلة، حتى في ظلّ غياب الغارات، فهي ما تبقّى من روح الثورة، بكل ما تحمله من وجع وأمل.

ولذلك، فإنّ حجم الحملة يجب أن يكون على قدر رمزية المدينة. لا نريد حملة عابرة، تُنشر على وسائل التواصل، لبضعة أيام، ثم تنطفئ. نريد مشروعاّ مستداماً يعيد للناس شعورهم بالأمان، ويعيد للأطفال مدارسهم، وللعائلات منازلهم، وللأمهات فرصة طهي الطعام داخل الجدران، بدلاً من الطين والخيم.

الناس في إدلب، يستحقًون أكثر من مجرّد تبرّعات، يستحقّون العدالة، وإنصافاً طال انتظاره، وتنمية مستدامة تحفظ كرامتهم. الحملة يجب أن تكون بداية تفكير جادّ، في نقل الناس من واقع الخيام، إلى واقع البيوت، ومن التسوّل الإنساني، إلى الإنتاج والدعم الحقيقي.

نحن بحاجة إلى شعور بالانتماء، والوفاء، والواجب تجاه إدلب، وكل مدينة سورية منكوبة. لكننا بحاجة أيضاً إلى واقعيّة. فلا يكفي أن نحشد التفاعل، إذا لم نؤسّس خطة واضحة للتنفيذ والمتابعة. لا يكفي أن نجمع المال، إذا لم نكن شفّافين في صرفه وتوزيعه. ولا يكفي أن نطلق الشعارات، إذا لم نواكبها بأفعال حقيقية على الأرض.

الأهالي فقدوا الثقة بالكثير من المبادرات السابقة، وبعضهم لا يؤمن أن هناك شيئاً سيتغير. وهذا أمر مؤلم.

لذلك، فإنّ القائمين على الحملة لديهم، مسؤوليّة مضاعفة، مسؤوليّة جمع الدعم، ومسؤوليّة إثبات أن هذا الدعم سيُصرف حيث يجب، وسيُحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس.

نعم، أن نكون أوفياء لإدلب، فهذا ليس تفضّلاً منّا، ولا خياراً نأخذه أو نتركه، لأنّ إدلب أوفت، وصبرت، وقاتلت، وضحّت، وصمدت. وحين نقف اليوم أمام خيامها، ونرى ما تبقّى من أمل في عيون أطفالها، فإنّ أقلّ ما يمكن فعله، هو أن نُعيد الاعتبار لهذه المدينة.

“حملة الوفاء لإدلب”، يجب أن تكون أكثر من حملة.

يجب أن تكون انطلاقة جديدة لفهم جديد للعمل الإنساني السوري، عملٌ نابعٌ من الناس ولأجل الناس، لا انتظاراً لمجتمع دولي خذلهم، ولا رهاناً على حلول سياسيّة لا تأتي.

فهل نكون على قدر اسم الحملة؟

المزيد...
آخر الأخبار