الشرع في واشنطن.. “حين يصبح الحلم دولة”

بقلم أمين التحرير- فراس اليحيى  

من قلب واشنطن، ظهر الرئيس السوري أحمد الشرع، والذي لم يتوقع ظهوره على مر التاريخ في هذا المكان، الذي لطالما تمّ توجيه أصابع الاتهام له بالإرهاب والتشدد، ظهر على منصّة ليست عادية _ منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة_ قال فيها كلمات من ذهب نقشت على جدرانها إلى الأبد، فهو الرئيس السوري الذي اعتلى هذا المنبر بحقّ، وبعد 14 عاماً من النضال والكفاح، مطالباً بحريّة شعب قدم دمه وأرضه فداءً لها. ومنذ أكثر من نصف قرن، وبعد تولّيه الحكم السوري بتسعة أشهر فقط، حمل معه رسائل للعالم أجمع وإصلاحات جمة، نفذت في زمن قياسي على أنقاض مؤسسات سلبها نظام الأسد البائد كلّ مقوّماتها.

ومن على المنبر أوجز بما قدمته الحكومة السورية الجديدة خلال الأشهر القليلة الماضية من تسلّمه الحكم، حيث استطاعت الحكومة السورية الجديدة أن تُحدث تحولاً جذرياً في المشهد السياسي والوطني، بعد عقود طويلة من الخراب والاستبداد تحت حكم الأسد. فمنذ اليوم الأول لتسلّمها السلطة، لم تضيع وقتاً في التبرير أو التنصل، بل دخلت في سباق مع الزمن لإصلاح ما أفسده النظام البائد، دولة منهكة، مجتمع ممزق، واقتصاد محطم، ومؤسسات فقدت ثقة الناس بها.

انطلقت حكومة الرئيس أحمد الشرع من أولويات واضحة تجلت في العدالة والمحاسبة والمصالحة، فلم ترفع هذه العناوين كشعارات فارغة، بل تحولت إلى سياسات عملية تنفذ على الأرض، بدأت بحملات واسعة لمحاربة الفساد داخل أجهزة الدولة، وفتحت ملفات المعتقلين والمفقودين، وأطلقت سراح المئات من المعتقلين السياسيين، وشكلت لجاناً وطنية للعدالة الانتقالية تضم قضاة ومستقلين وممثلين عن الضحايا أنفسهم.

في حين وضعت معايير واضحة لمحاسبة المتورطين في جرائم الحرب، بغض النظر عن مناصبهم أو انتماءاتهم، وهو ما شكّل خطوة جريئة لم يعرفها السوريون منذ عقود.

المصالحة الوطنية بدورها لم تكن مجرّد رغبة، بل إرادة سياسية تم فتحها عن طريق حوارات مجتمعية في مختلف المحافظات، فعاد المهجّرون إلى مناطقهم، وسمعت أصوات أهالي الضحايا للمرة الأولى في منابر رسمية.

فخلال أشهر قليلة استعادت سوريا موقعها تدريجياً في الإقليم والعالم وتمت إعادة فتح عدد من السفارات، وشاركت سوريا في اجتماعات عربية وإقليمية ودولية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، إذ لم يكن ذلك نتاج تغيير في مزاج العالم، بل ثمرة جهود حقيقية قادها الرئيس الشرع وفريقه، مبنية على الشفافية والمواقف المسؤولة، وهو ما أظهرته لقاءاته مع عدد من قادة الدول خلال الشهور الماضية.

ففي الخطاب الأول له على المنبر العالمي، أوضح جرائم نظام الأسد بكل وضوح، من التعذيب إلى استخدام البراميل المتفجرة، وتعهّد باسم الدولة السورية بمحاسبة الجناة وإنصاف الضحايا.

قال الشرع: “لقد انتصرنا للمظلومين، لا بالسلاح بل بالحق، فاليوم نكتب فصلاً جديداً في تاريخ سوريا، عنوانه العدالة والكرامة والشراكة”. كانت هذه الكلمات كافية ليفهم الجميع أن ما يبنى في دمشق اليوم دولة مؤسسات حقيقية جديدة قائمة على العدالة.

إن خطاب الرئيس لم يكن مجرد كلمات مرصوفة ومنمقة ومراد بها تلميع الدولة الجديدة، بل جاء ليعلن عن نهاية زمن، وبداية آخر، حكومة تتحدث بلغة القانون والمؤسسات، وتعيد ترتيب العلاقة بين المواطن والدولة، وتطرح رؤية واضحة لمستقبل سوريا، دولة حقيقية تحترم التعدد وتعطي الحقوق.

ما حدث بالأمس هو استثناء تاريخي في منطقة لم تستقر بعد، فهو درس في كيفية تحويل الألم إلى أمل، والانهيار إلى فرصة. وإذا واصلت الحكومة الجديدة التزامها بما تعهدت به، فإن سوريا ستكون على أعتاب لحظة نادرة ربما لا توجد في أي بلد آخر، من بناء على كل المستويات من الفرد وحتى المؤسسات لتضاهي بذلك أكثر الدول انضباطاً وانفتاحاً وثقافة على العالم.

لقد بدأت سوريا أخيراً تخرج من سجن كبير معتم إلى النور، ومن على منبر الأمم، أُعلنت ولادة هذا الفجر الجديد.

المزيد...
آخر الأخبار