بقلم أمين التحرير_ فراس اليحيى
وصفت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى موسكو بالمفصلية، حاملا معه ملفات سياسية وأمنية واقتصادية معقدة، متطلعاً لرؤية جديدة في السياسة الخارجية تبنى على أساس المصالح والكرامة الوطنية، لا على الإرث المثقل بالاصطفاف والتبعية.
في المقابل لا يمكن تجاهل ما تحمله هذه الزيارة من حساسية عميقة لدى شريحة واسعة من السوريين، الذين لا تزال ذاكرتهم مثقلة بالمآسي التي تسبب بها الطيران الروسي، من قصف وتشريد وموت طال المدنيين والأحياء والأراضي الزراعية.
الزيارة تضع السوريين قيادة وشعباً أمام ذاكرة صعبة لا يمكن نسيانها او تجاهلها. فبينما تدرك الدولة ضرورة الانفتاح على جميع المسارات الدولية لإنقاذ البلاد من أزماتها الاقتصادية والسياسية التي خلفها نظام استبدادي، يبقى الجرح مفتوحاً في قلوب من رأوا في موسكو شريكاً في الألم لا في الحل.
وهنا تكمن أهمية الحياد السياسي التي تقودها اليوم القيادة في دمشق، والتي تقوم على مخاطبة الجميع بندية، وبمنطق الشراكة والانفتاح لا الانبطاح، والسيادة لا التبعية.
سياسة الرئيس الشرع واضحة
سوريا بقيادتها الجديدة لا تبحث عن شركاء بحسب جغرافيا التحالفات، بل بحسب مواقفهم من سيادتها ومصالح شعبها. فهو لا يطلب من موسكو اعتذاراً لفظياً، لكنه يطالبها بمواقف عملية تواكب التحول السوري كرفع العقوبات والمساهمة الحقيقية في إعادة الإعمار، وتفكيك الخطاب الذي تعامل مع سوريا كمجال نفوذ لا كدولة ذات قرار مستقل.
اللافت للنظر أن الرئيس السوري اختار موسكو كواحدة من أولى وجهاته الخارجية، رغم علمه المسبق بالثقل الرمزي السلبي الذي تحمله لدى كثير من السوريين. وهذا ما يجعل الزيارة أكثر من لقاء سياسي، بل رسالة داخلية قبل أن تكون خارجية، بأن الدولة الجديدة عازمة على تجاوز الماضي دون نسيانه، وعلى فتح صفحة جديدة تُعيد تعريف العلاقات الدولية لسوريا على أساس المصالح المتبادلة.
هي لحظة اختبار للطرفين فدمشق التي تمد يد الانفتاح، وموسكو التي عليها أن تقرأ التحول بشكل صحيح كاستراتيجية ومصالحها الاستراتيجية. وفي الوقت نفسه، يبقى من حق السوريين أن يحاسبوا شركاء اليوم على مواقف الأمس، لكن دون أن يُغلقوا الباب أمام فرص المستقبل.
ينتظر الكثير من السوريين ماذا ستقدمه موسكو لسوريا عقب كل تلك السنوات من القتل والتخريب في الجغرافية السورية، فهل ستسلم الهاربين المتلوثة ايديهم بالدماء وعلى رأسهم بشار الاسد والعديد من رؤوس الفساد وأن تساعد في إرجاع الحقوق إلى أصحابها.