من لم يعش المعاناة… لا يملك حق الإنكار

رئيس التحرير – طلال قنطار  

لا تزال جراح الحرب السورية مفتوحة وذكريات الألم حيّةإلى اليوم في ذاكرة الملايين من أبناء هذا الشعب المنكوب، يخرج علينا بعض الأشخاص من فنانين، وغيرهم ليعبّروا عن مواقف ملتبسة يرفضون فيها الاعتراف بالتغيير، أو يشككون في مسار تحرر الشعب وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن المعاناة التي مر بها السوريون لم تكن يوماً.

ما لا يدركه هؤلاء أو لا يريدون الاعتراف به هو أنهم لم يعايشوا ما عاشه السوريون في عمق الألم لأنهم لم يكونوا في عين العاصفة لم ينزحوا من بيوتهم، ولم تُهدم منازلهم فوق رؤوسهم ولم تطاردهم البراميل ولا الكيماوي، ولا عانوا من برد المخيمات، ولا من رعب السجون عاشوا في مناطق مستقرة آمنين في ظل سلطة كانت تكافئ الصمت، وتمنح الامتيازات لمن يلتزم بالنفاق أو الحياد الكاذب.

يتحدثون عن عدم تغير شيء، ولكنهم يتحدثون من داخل الامتياز من شرفات النجاة المزوّرة لا من بين أنقاض المدن والقرى ولا من خيام النزوح ولا من قوارب الهجرة، كيف يمكن لمن لم يُنتزع منه شيء أن يفهم معنى التغيير..؟ كيف لمن لم يُستهدف ولم يُقصف ولم يُعتقل أن يشعر بما يشعر به من دفع دمه وأطفاله ثمناً لحظة حرية.؟

لقد كانت سوريا لعقود رهينة فئة متسلطة احتكرت الحكم، ونهبت خيرات البلاد وهمّشت شعبها، وزرعت الخوف في كل زاوية حتى أصبح الخوف نفسه هو القانون ثم جاء من كسر هذا الجدار من حرّر الأرض، والفكرة من ضحّى بماله وراحته، وأبنائه في سبيل الخروج من النفق.

اليوم بعد سنوات من الدم والخذلان تقف البلاد على أرض محررة لكنها مُستلمة من تحت الصفر لا مؤسسات، ولا موارد ولا بنى تحتية بل تراكم هائل من الدمار الذي خلّفته سنوات الحكم المستبد، ومع ذلك هناك رجال ونساء يعملون بصمت، ويحاولون البناء من الصفر وهم أحوج ما يكونون إلى الصبر والدعم لا إلى جلدهم من أولئك الذين كانوا بعيدين عن النيران.

ما نحتاجه اليوم ليس ترف النقد المتعالي بل شجاعة الإنصاف، فمن لم يعش المعاناة لا يملك الحق في محاسبة ضحاياها ولا في تقييم نضالهم.

 

المزيد...
آخر الأخبار