بقلم أمين التحرير.. فراس اليحيى:
تتسارع التحولات السياسية على الساحة السورية، والتي كان آخرها شطب اسم الرئيس السوري أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم الإرهاب، كما تبرز زيارة الرئيس أحمد الشرع المرتقبة إلى البيت الأبيض يوم غدٍ الإثنين، كمحطة محورية تتميز بقدرتها على إعادة رسم معادلات الأمن، والاستقرار في المنطقة.
ومن بين أبرز ما تحمله هذه الزيارة من ملفات استراتيجية، يأتي احتمال انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، ليس كطرف ثانوي، بل كدولة ذات سيادة بحوزتها جيش نظامي رسمي قوي ومؤسسات ومشاريع وطنية لا تقبل الفيدراليات والتقسيمات.
هذا التحوُّل الجوهري على الساحة السورية في حال وقوعه، لن يكون مجرد خطوة أمنية تقنية، بل نقطة تحول جيوسياسية تنهي حقبة طويلة من التدخلات الخارجية في الشأن السوري تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وتفتح الباب أمام إعادة تأهيل الدولة السورية كمرجعية وحيدة وشرعية في مكافحة التطرف والإرهاب.
من العزم الصلب إلى العزم السيادي
لطالما عنون التحالف الدولي عملياته ضد تنظيم “داعش” المعروفة باسم عملية العزم الصلب بطابعه الانتقائي، حيث تم تهميش الدولة السورية رسمياً، وتم التعامل مع فاعلين محليين غير حكوميين كحلفاء أساسيين، أبرزهم قوات سوريا الديمقراطية” “قسد”، وقد أدى هذا النهج، إلى تفكيك البنية الأمنية الوطنية وخلق واقع انفصالي في الشمال الشرقي، أثر سلباً بداية على وحدة الأراضي السورية، وصولاً الى استقرار الجوار الإقليمي بأسره.
اليوم، ومع زعزعة مشروع “قسد” وانحسار تأثيره، وبروز الجيش السوري كقوة موحدة تعيد بسط سيطرتها على كامل الجغرافيا، بات من غير المنطقي الاستمرار في تجاهل دمشق كشريك في محاربة بقايا “داعش”، بل إن استمرار هذا التجاهل يعتبر تناقضاً واضحاً وضوح الشمس مع المبادئ التي أعلن عنها التحالف “محاربة الإرهاب ودعم الاستقرار.
انضمام مشروط.. شرط السيادة لا شرط التبعية
انضمام الجيش العربي السوري إلى التحالف الدولي يجب أن يكون تحت مظلة سيادية جديدة، تضع الدولة السورية في موقع القيادة، تُنسق وتتعاون دون أن تتنازل عن قرارها الوطني، وهذا ما تطلبه الحكومة السورية: الشراكة لا الوصاية، والتنسيق لا التبعية.
وفي هذا الصدد، تكتسب التصريحات التركية الأخيرة على لسان نائب وزير الخارجية نوح يلماز أهمية بالغة، إذ إنها تُظهر أنَّ أنقرة التي كانت سابقاً من أشد المعارضين لنظام الأسد البائد الذي ساند تنظيم “داعش” في الظل، باتت اليوم تدعو علناً إلى دعم الجيش السوري وتدريب كوادره ومساعدته في إعادة هيكلة قدراته لمكافحة الإرهاب.
بالإضافة لتركيا، تعمل كل من المملكة العربية السعودية وقطر على تدريب عناصر أمنية وعسكرية سورية، في تحوُّل استراتيجي يعكس إجماعاً إقليمياً على أن مستقبل الأمن في سوريا لا يُبنى إلا عبر مؤسساتها الرسمية.
الانسحاب الأمريكي يعكس ترتيبات جديدة على الساحة
لم تخفي الإدارة الأمريكية رغبتها في سحب قواتها من سوريا، وهو هدف يتقاطع مع المصلحة السورية التي ترى في الوجود العسكري الأمريكي ذريعة لاستمرار التفكك الداخلي، والإنضمام إلى التحالف الدولي يمكن أن يوفّر الغطاء السياسي اللازم لهذا الإنسحاب، فيحوله من إنسحاب من المسؤوليات إلى إنجاز يتم من خلاله تسليم مهام مكافحة داعش إلى شريك وطني فعَّال.
من جهة أخرى، يضعف هذا التحول الذرائع التي تستخدمها القوى الانفصالية للإستمرار في وجودها، ويفتح الباب أمام تفكيك كافة أشكال الميليشيات شيئاً فشيئاً، ودمج عناصرها السورية غير المتطرفة في مؤسسات الدولة، ضمن مسارات وطنية تعيد الثقة بالجيش كرمز للأمن والأمان.
من الهشاشة إلى الشراكة الاستراتيجية
انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” ليس طلباً للمساعدة بل عرضاً للشراكة. وهو يجسد التحوُّل الذي تعيشه سوريا، من دولة كانت متروكة على نهاية الطاولة الدولية، إلى دولة تدرك أنَّ أمنها جزء لا يتجزأ من أمن المنطقة، وأن محاربتها للإرهاب واجب وطني ودولي.
زيارة الرئيس الشرع إلى واشنطن قد تكون الفرصة التاريخية لترجمة هذا التحول إلى وقائع ملموسة… فسوريا اليوم ليست بحاجة إلى وصاية، بل إلى اعتراف، والانضمام إلى التحالف الدولي، بشروط سيادية، هو الطريق الأقرب لتحويل هذا الاعتراف إلى واقع.