بدايةً أود التأكيد أن من الصعب أو شبه المستحيل إنصاف منجزات أ. د. جودت إبراهيم العلمية في عجالة، ذلك لأنه موسوعي المعارف، فهو متضلع من الأدب، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الإدارة. لقد اكتسب هذه المعارف وخبراته من اطلاعاته الواسعة، والمناصب التي تدرج فيها ضمن كلية الآداب وجامعة البعث ووزارة التعليم العالي، فغدا مرجعاً في قانون تنظيم الجامعات وغيره من الأنظمة التي تتصل بشؤون الطلبة وإدارة الجامعة وكلياتها وأقسامها المختلفة.
مكتب أ. د. جودت إبراهيم يزخر بمكتبة تضم كتباً بغير لغة، لأنه ينظر إلى الأدب من منظور عالمي إنساني، كما يضم الكتب التي سطرها والتي تتمحور حول أدبنا العربي والسوري منه والروسي. وغني عن الذكر هنا أن الدوريات الأدبية والثقافية الوطنية والعربية تأخذ مواقعها على مكتبه قبل أن تقرأ وتؤرشف على رفوف مكتبته الضخمة؛ فهو قارئ نهم يتلقى الكتب والدواوين الشعرية والمجموعات القصصية من مبدعيها الذين يشعرون بسعادة بالغة أنها نالت من عصارة فكره النقدي في ظلال مقدمة استهلالية أو مراجعة نقدية.
مكتب أ. د. جودت إبراهيم أشبه بقبلة يؤمها الباحثون الشعراء والكوادر الثقافية وطلبة الدراسات العليا الذين يحتشدون لينهلوا من معين معارفه الثرّة. ولن أبالغ البتة إن قلت إن مكتبه أشبه بصالون أدبي يحاكي الصالونات الأدبية التي عرفناها في بلادنا ولدى الغرب.
ومنذ بضعة أشهر استقبلت مكتبة جامعة واشنطن الأمريكية الذائعة الصيت كتابين من مؤلفاته النقدية اللذين يعنيان بالمتغيرات التي طرأت على الأدب إثر أفول الحرب الباردة بين قطبي كرتنا الأرضية. لقد آثر أ. د. إبراهيم أن يقدم هذين الأثرين النقديين بلغتنا العربية لغرضين رئيسين: فهو عروبي مولع بلغتنا القومية ومستهام بها، فهي الوعاء الذي يجمعنا من الخليج إلى المحيط. وأما الغرض الثاني فيتمثل في إعلاء شأن العربية لجعلها في مصاف اللغات العالمية، وبهذا دخلت إبداعاته بوابة النقد العالمي المعاصر. ففي هذين الكتابين يتحدث أ. د جودت إبراهيم عن أثر المتغيرات في تحويل مسيرة الأدب والثقافة بعد أفول الحرب الباردة بين المعسكرين اللذين هيمنا على كوكبنا لزمن طويل. يتضمن هذان الكتابان دراسة مطولة تتصل بالاتجاهات النقدية المعاصرة ولقاءات ميدانية مع قامات أدبية وثقافية تركت بصماتها الإبداعية على الساحة العالمية.
يذكرني أ. د. جودت إبراهيم بصورة الجذور والأجنحة التي شاعت في الأدب. تتمثل صورة الجذور في ظلال تمسكه بجذوره العربية وبلسان الضاد الذي يجمع الأمة العربية من مشرقها إلى مغربها، لذا نراه يكتب في الأدب العربي ويعتز بأصالته وعراقته.
ويستثمر أ. د. جودت إبراهيم صورة الأجنحة المجازية، فتغدو واقعاً ملموساً، إذ سافر إلى العديد من البلدان العربية والأجنبية طلباً للعلم والمعرفة، فأكب على العلوم التي وجدها في رحلاته، ونقل رؤاه النقدية في الأدب العربي السوري منه إلى الولايات المتحدة الأميركية حين أوفدته جامعتنا بمهمة البحث العلمي ما بعد الدكتوراه. وقدّم أ. د. إبراهيم العديد من الأبحاث الرصينة في مؤتمرات وندوات أكاديمية عربية وأجنبية.
لقد جعل أ. د. إبراهيم البحث العلمي شغله الشاغل، فهو ينتج أبحاثاً عديدة ومتنوعة في شتى مناحي الأدب وشعبه، ويرأس هيئة تحرير مجلة جامعة البعث سلسلة العلوم الإنسانية، ويحكّم البحوث الأكاديمية ورسائل الدكتوراه، وهو عضو فعّال وبارز في اتحاد الكتاب العرب، وعضو دائم في تزكية المرشحين لنيل عضوية اتحاد الكتاب العرب.
وبإيجاز، أ. د. إبراهيم يجود بمعارفه وثقافته في ظلال المحاضرات التي يلقيها في مختلف المنابر العامة والتي تشد انتباه الحضور، فهو متحدث سلس وذو أسلوب شائق.
د. الياس خلف