_أبو العلاء المعري (363 هـ – 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري،الشاعر والفيلسوف واللغوي ،ولد في معرة النعمان في عصر الدولة العباسية، لقب برهين المحبسين، محبس العمى ومحبس البيت حيث اعتزل الناس بعد عودته من بغداد وحتى وفاته.
_أول مجموعة شعرية ظهرت له (ديوان سقط الزند)، وقد لاقت شعبية كبيرة، وأسست شعبيته كشاعر، تلتها (اللزوميات)، ثم ثالث أشهر أعماله هو (رسالة الغفران) ،وهو أحد الكتب الأكثر فاعلية وتأثيراً في التراث العربي…
_كتب رسالة الغفران ردا على رسالة ابن القارح، الذي كان أديباً يحب أن يعرف رأي مشاهير الأدب به، فكان جواب أبي العلاء المعري عنه أشبه بالرواية الخيالية بطلها ابن القارح الذي غفر له ودخل الجنة فراح يسأل الناجين من أدباء وشعراء بماذا غفر لهم وبعد أن فرغ منهم زار الجحيم بدافع الاطلاع على أخبار أهلها أيضا.
_يصف بداية بعض ما رأت عيناه من نعيم الجنة ويذكر أشعاراً في وصف الجمال، جمال الحياة الفانية الذي لايعدل ذرة من روعة جنان الخلد.
_ثم يلتفت ابن القارح فيجد مجموعة من الشعراء اجتمعوا وراح أحدهم ينشد بيتين ويبدل آخر كلمة من كل بيت مستخدما حروف اللغة العربية في كل مرة حرف يجعل منه قافية متفنناً بغزارة مفرداته وكثرة ما أورد من معانٍ.
يغادرهم، ويجيل الطرف فاذا به بقصرين عظيمين لشاعرين من الجاهلية فيعجب من دخولهما الجنة وهما زهير بن أبي سلمى وعبيد بن الأبرص، يقصد قصر أولهما ليعرف سر نجاته فيكون جوابه بأنه رأى مناما يبشر ببعثة الرسول وأوصى أولاده باتباعه.
_ونجا الثاني منهما ببيت شعر:
من يسأل الناس يحرموه
وسائل الله لا يخيب
يكمل ابن القارح تطوافه في أرجاء الجنة بحثاً عن الشعراء ليسألهم عما حار فيه جواباً، فبعض القصائد أو الأبيات تنسب كذباً وافتراء، ولا يكشف هذا الخداع إلا العلم التام بالشاعر وأشعاره…
ولما مل كثرة الترحال أقام وليمة دعا إليه جميع من يود سؤاله أو انتقاده عن ضعف بدا في بيت أو بيتين، أو إخلال في الأوزان والقوافي، وعجب لبعض من ظنه خالداً في النار ونجا برحمة الله، منهم جاريتان مغنيتان رزقتا سحر الصوت، قدر لهما وأسلمتا في أواخر العمر.
وبذلك جمع جواباً لكل سؤال اعتمل في عقله عن أهل السعادة، ولكن الراحة لم تسعفه إلا بالاطلاع على أهل الشقاء، فترك مجلسه ينازعه فضوله، وقارب جنة العفاريت وهي للمؤمنين من الجان، ببابها شيخ استبشر به خيراً وحسب أنه سيكشف له بعض أسرارهم وأحوالهم في الدنيا والآخرة فأمطره بالأسئلة كعادته ولم يبخل محدثه عن إجابته، فروى له قصته وما ألحق من أذى بالبشر قبل الإسلام وللمصادفة كان من النفر المذكورين في القرآن المشرفين بنقل أخبار هذا الدين إلى الجان. غادره بعد أن سمع ما سمع، ووصل إلى مشارف الجحيم ،ونادي على مخلديها من الشعراء، وإذا بهم بأسوأ حال، وصدهم عن إجابته ما يلقون من عذاب، فلا أحد يذكر شيئا مما قال في الحياة الفانية، أهوال القيامة ومصيرهم البائس هو سبب نسيانهم.
ولما لم يجد جواباً واحداً عما سأل عاد أدراجه إلى قصره مبتهجاً بالنعيم السرمدي.
يتابع المعري بعد أن فرغ من رحلة صاحبه الخيالية من تصنيف الشعراء الجاهليين والمخضرمين قسم في الجنة وآخر في النار واستكمال انتقادهم، ينتقل إلى أهل زمانه ومن قاربه فلا يترك أحداً ممن نظم أو نثر إلا ويذكر ما يعيب عليه من خطأ نحوي أو لغوي، أو تعارض للأفكار، منهم المتنبي الذي خصه بعدة صفحات من الذم المعري، وابن الرواندي صاحب كتاب الدامغ ( الذي طعن فيه على نظم القرآن) فيشهر به أيما تشهير وغيرهما الكثير….
كما تنكر للبدع المنتشرة في عصره كفكرتي التناسخ والحلول، ففندهما وحلل وأظهر ما فيهما من باطل، وذم الخمرة وشاربيها.
وضمن كلامه تبرئة لنفسه عن تصنيفه الناس بين سعداء وأشقياء بأن ما ذكره كان على سبيل التندر!!
هذا بعض ما ذكره في رده على رسالة ابن القارح التي بدأها بالثناء المعري ثم راح بعدها ينتقد ويحلل ويوافق تارة ما أورده صاحبه من أفكار وتارة يخالف.
_يتجلى أسلوب المعري الفلسفي واضحاً في رسالته، صاحب علم غزير يتفنن بإظهاره ويخفي مقاصده وآراءه فيورد الكلمة أوالجملة ولها معان عديدة فلا يترك لناقد عليه سبيلاً، وينجي بذلك نفسه من المساءلة والملامة والتشكيك!!!
ولو كنت مكان ابن القارح لما بحثت عن رأي المعري في أدبي، فهو كالزئبق في كتابته قد يذمك في باطن القول ويمدحك في ظاهره فلا يدع لك عليه ممسكاً.
لغة الكتاب جزلة، صعبة ألفاظه، ولا تخلو صفحة منه من كلمات غريبة تحتاج شرحاً….
نزهة السيد