ظاهرة سلبية لم نتخلص منها بعد, ولم نستطع حتى يومنا هذا أن نجد لها حلاً ناجعاً, الظاهرة تتفاقم, وتزداد, وتمتد, وتعلن بكل صفاقة استيلاءها على قطاعات عامة متعددة, والمشكلة أن المواطن المسكين يتعامل معها, ويتحمل صعوبتها, ويشقى بمشقتها, ويعاني من فجاجتها وقسوتها.. يمكن أن نسمي هذه الظاهرة: ظاهرة الطوابير, وبشكل أوضح يمكن أن نطلق عليها: تعقيدات المعاملات الحكومية, أو: غلاظة بعض موظفي المؤسسات الرسمية!..
فكل واحد منا مُجْبَر على القيام بأمور لابد منها, كي تسير حياته سيراً طبيعياً, هو مُجْبَر على استخدام الكهرباء, فالثلاجة, والغسالة, والمكواة, والمصباح, والتلفاز, وأجهزة الجوال والحاسوب.. الخ, كلها تحتاج إلى طاقة كهربائية, كي تستطيع العمل بكل سهولة وتؤدي وظيفتها الرئيسية على أكمل وجه..
وهو مجبر على التعامل مع الماء, فالماء أساس الحياة, ولابد من وجوده كي يبقى الإنسان على قيد الحياة, وبالإضافة إلى استعمال الماء للشرب وري العطش, لابد
منه للطبخ والنفخ, ولابد منه (لجلي) الآنية والقدور والصحون، ولابد منه لتنظيف الجسم, وغسل الملابس, ومسح الأغراض و(شطف) الأراضي والدراج وإزالة الأوساخ والقاذورات.
ـ وهو مجبر على التواصل مع الآخرين, عبر (هاتف) يتيح له الفرصة كي يحدّث من يريد, وفي الوقت الذي يريد , وعن الموضوع الذي يريد.. فهذا الهاتف الذكي من مفرزات الحضارة التي تستمتع أجيالنا بقطف ثمارها, وتحاول أن تعيش تحت ظلالها, أسوة ببقية خلق الله في العالم كلّه, أسوةً بشعوب تعيش في البلدان النامية وغير النامية!.
ـ وهو مجبَر على تناول الخبز, هذه المادة الغذائية التي لابد منها , فكل الأطعمة المتداولة من لحوم وخضار وحبوب ومنتجات حيوانية ونباتية .. في كفّة, وأرغفة الخبز على اختلاف أنواعها.. في كفّة, والإنسان الشرقي لايعتبر الوجبة وجبة مالم تكن مرفقة بخبز، ولايمكن له أن يتصور (أداماً) من غير خبز, ولايمكن أن يشعر بالشبع مالم يكن طعامه مصاحباً للخبز!..
ـ وكل ماذكرناه له فاتورة دفع، أو ضريبة وقوف, وعلى الرغم من ارتفاع قيمة الاستهلاك أو ثمن البضاعة, فإن أي محاولة منك لتسديد مايترتب عليك من مبالغ مالية, توجب عليك الوقوف في طوابير طويلة لاتدري كيف تنتهي ومتى تنتهي, اذهب إلى مكاتب جباية الماء أو الكهرباء, اذهب إلى مراكز بيع أسطوانات الغاز, اذهب إلى المخابز والأفران, اذهب إلى البريد والهاتف.. ستجد المشكلة نفسها, والطوابير نفسها, والمعاناة نفسها, قد تضيع ساعات ثمينة من عملك, قد تتخلف عن أهم مواعيدك, قد تصرف النظر عن ارتباطاتك, قد تَتْعَبُ قدماك وترتجفُ ساقاك.. ولكن، لابد من الوقوف المديد, لابد !!!..
الشيخ, الطفل, المرأة, الكبير والصغير, المعافى والسقيم, المرتبط والمتفرغ.. كلهم جميعاً, ملزمون بالوقوف, بالانتظار, بإضاعة الوقت.. لااعتبار لمن تخونه قدماه ولا اهتمام بمن يتأذى من شمس محرقة أو برد قارس, ولارحمة لأحد على الإطلاق كائناً من كان.. والحل, أين الحلّ؟! أين أصحاب العقول الكبيرة, أين المستشارون الذين يرسمون الخطط , ويشرّعون الضرائب, ويرفعون الرسوم, أين الجهابذة الذين ينقبون ويفتشون عن أبسط القضايا, كي يعصروا منها فائدة ما, مشاركة ما ، لحسة إصبع ما ؟!!
ألا يمكن لتلك العقول (الكبيرة) .. أن تجد حلاً معقولاً لهذه المعضلة (الصغيرة)؟!!!.
د . موفق أبو طوق