لا توجد زوجة لا تشكو من صمت زوجها وهدوئه ، ولكن عندما يصبح الصمت قاتلاً ومميتاً ويؤدي إلى التوتر والقلق ، يصير الأمر عذاباً وقسوة. ومن ناحية ثانية : عجيب أمر المرأة ، لا ترى في الحياة إلا الحب والأحلام ، تتصور أن الرجل آلة لا تتعب ولا تنهك ! يعود من عمل طويل، ومطلوب منه أن يبتسم ويضحك ويتحدث ويحلم .
هي مشكلة قائمة تلازم العديد من الأسر ، فلكل متطلباته في الحياة الزوجية ، وهي مشكلة حقيقية بين زوجين لديهما ثلاثة أطفال نعرضها كما هي :
قالت الزوجة ( عبير، ب ): زوجي مهندس في إحدى الشركات ، يعود مساءً من عمله منهكاً ، ينزع ملابسه ويتناول عشاءه ، ولا يعود للحياة ثانية إلا صبيحة اليوم التالي ، وفي كل ليلة أشعر بملل رهيب ، فلا أجد مؤنساً سوى شرب اليانسون ثم تناول الأقراص المهدئة ليبدأ بعدها الصراع مع النوم ، الأسبوع كله على هذا المنوال ، لا يمنحني الصبر إلا انتظار يوم العطلة لأبدأ بإعداد نفسي وتجهيز أطفالي للخروج من المنزل ، وأستقبل هذا اليوم الهانئ بمنتهى السعادة وأحاول اصطناع اللطف مع زوجي ، وإضفاء جوٍ من المرح والهدوء على المنزل ، فأنتقي من الحديث أحلاه ومن الكلام أشهاه ، ففي يوم الإجازة تدخل الشمس منزلنا ، وتغرد الطيور فرحاً ، وترقص الزهور ابتهاجاً ، فزوجي سيصحبني وأطفالي إلى نزهة ما ، أو زيارة ما ، ولكن السؤال الذي يتكرر كل أسبوع هو : أين سنذهب ؟ فالأماكن محدودة ، فإما إلى الحديقة أو إلى المطعم أو في زيارة للأهل ، المهم أن يذهب الملل ويتركنا ولو لفترة وجيزة ، ويُسعد الأطفال بهذه النزهة أو الزيارة حيث يمكنهم الجري واللعب فتخف حدة الكبت التي لازمتهم أسبوعاً كاملاً ، نتحدث في كل المواضيع وفي جميع المجالات ، عن الأهل والأطفال والطبيعة والأهل ، حتى حديث الذكريات ينال جانباً من حديثي معه ، ولكنه لا يحكي إلاّ قليلاً ، وعندما نعود إلى جنّة الفردوس ( بيتنا) الذي هو مملكة الحب ، نعود إلى نفس الحالة والهدوء التام والنوم العميق ، وكأن الله انتزع منه المشاعر والأحاسيس وجعله آلة تتحرك لتعمل فقط ، ويعود في الصباح إلى ذات الحالة .
أما الزوج ( علي ، ب ) فقد دافع عن نفسه ، وأوضح مايلي قائلاً : في سنوات سابقة كانت المسؤوليات أخف ، لم يكن الأطفال قد اشتد عودهم وكثرت طلباتهم واحتياجاتهم ، ولم تكن ميزانية الأسرة قد عرفت مصاريف المدرسة واشتراك سيارة المدرسة ، وبالتالي فلم أكن قد عرفت طريق ساعات العمل الإضافي وطلب العمل في مواقع بعيدة بحثاً عن زيادة في الراتب من هنا وهناك ، ويبدو أنها لا تعرف معنى ما أعمل ، فهي لا تتصور كيف يمكن أن يقضي الإنسان عشر ساعات مع العمال ، وضجيج الآلات ، ويعود في نهاية اليوم مرهقاً منهكاً ليس فيه بقية حياة ، تنسى أو تتناسى ، ولا تملك حديثاً إلا عن أيام الخطوبة والفرح والحب والأحلام والأمنيات ، حتى صارت أسطوانة مملّة ، ذات إيقاع واحد ، من زرع في ذهنها هذه الأفكار والثقافات … الحب ليس أن ينظر كلّ منّا في عين الآخر … الحب أن ننظر معاً إلى هدف واحد ، وهو قبل ذلك مسؤولية حياة وعمل وبحث عن غد ٍ أفضل ، ويعين على مشقة الحياة من أجل بسمة لا تغيب عن شفاه أطفالنا ، ولذا فالأفضل أن نهرب إلى النوم بعيداً عن الثرثرة ، والحب على طريقة الأفلام الهندية والمسلسلات العربية.
وفي النهاية وبعد سرد هذه المشكلة الاجتماعية التي تعاني منها أسرٌ كثيرة، عرضتها على المرشدة النفسية الآنسة مريم العلي فقالت مايلي :
هي مشكلة حقيقية بالفعل ، ويجب إيجاد الحل المناسب لها وخصوصاً مع وجود الأطفال ، كذلك عليهم إيجاد صيغة للتفاهم تكون دائمة ، ووضع جدول يومي تُحدّد فيه ساعات الطعام والنوم والخروج ، والأحاديث وتفقد الأولاد من قبل الزوج، لا أن يرمي كل المسؤولية على الأم.
فالزوج هو من جعلها تتغير وتلجأ إلى شرب اليانسون والمهدئات بدل التفاهم ، المسؤولية عملية متبادلة والاستقرار هو الأساس في إنجاح الحياة الزوجية ، وكذلك على الزوجة أن تتحمل وتصبر فهي تعلم أن هموم الحياة ومشكلاتها كثيرة وخصوصاً المشكلات المالية ، والقناعة كنز لا يفنى .
مجيب بصو
المزيد...