كان حلمهم أن يجنوا ما يتيسر لهم من الكمأة التي جادت بها الطبيعة في هذا الموسم الشتوي ، ليسدوا بثمن ما يبيعونه منها الرمق، ولم يكونوا على علمٍ أن في سعيهم لها سيلقون حتفهم بانفجار لغم مضاد للدروع، كان تنظيم داعش الإرهابي قد تركه – وغيره كثير – وراءه في وادي العذيب قبل اندحاره من شرق سلمية على أيدي بواسل الجيش العربي السوري .
لقد استشهد أولئك المواطنون الفقراء من أهالي قريتي البستانة وسرحة ، وأصيب آخرون إصابات بالغة ، بذاك اللغم ، وهم ليسوا أوائل الضحايا التي يقتلها داعش بألغامه ولن يكونوا الأواخر طالما المنطقة الشرقية من المحافظة لم تعلن بعدُ خالية من الألغام والعبوات الناسفة ، أو نظيفة تماماً من آثار داعش العدوانية .
ففي كل يوم تقريباً نقرأ ونسمع عن استشهاد مواطنين أبرياء بانفجار عبوة ناسفة هنا ولغم أرضي هناك وجسم غريب هنالك ، وهم بطريقهم إلى أراضيهم الزراعية ، أو أثناء توجههم للعمل في جني المحاصيل كالزيتون والقمح والشعير في تلك المنطقة التي ابتليت بداعش ، وترك فيها ما يدل على إرهابه المنظم والمبرمج بعد ما غادرتها فلوله رغماً عن أنفها ، وقد أذاقها الجيش مرَّ الهزيمة بعد أن كبد هذا التنظيم الإرهابي خسائر فادحة بالأرواح والعتاد .
وهذه المجزرة المروعة التي استشهد فيها أكثر من عشرين شخصاً بينهم يافعون ونساء ، ينبغي استخلاص العبر منها رغم مأساويتها ، لتكون دافعاً قوياً لامتناع أهالي المنطقة وأي شخص آخر ، من التوجه لتلك المنطقة المزروعة بالألغام ، مهما تكن الكمأة غزيرة فيها ، ومهما تكن جاذبة للجني !.
فالحياة أهم من كل كمأة الدنيا ، وهي لاتعوَّض بثمن مهما يكن مرتفعاً ، ولا تعادلها قيمة مهما تكن عالية أو غالية .
ولعل من الضروري بعد هذه الجريمة ، أن تزرع الجهات المعنية شارات تحذيرية بالمنطقة المذكورة ، تلفت انتباه المواطنين إلى خطورتها على سلامتهم العامة ، لاحتمال وجود مفخخات داعش العديدة والمتنوعة تحت ترابها ، والتي قد تنفجر بأي لحظة وبأي شخص يطأ عليها .
فالتوعية بهذا الشأن مهمة للغاية ، وقد تساهم بدفع الأذى عن أبرياء ، وبحمايتهم من أي خطر .
ويمكن هنا للمنظمات المحلية والدولية التي تعنى بمخلفات الحرب المتفجرة وغير المنفجرة ، أن تساهم مساهمة فعالة بالتوعية الجماهيرية حول خطورة الاقتراب من حقول الألغام غير الممشطة أو المنزوعة ، وذلك بما تملكه من علوم ومعارف وخبرات وإمكانات جبارة بهذا المجال .
وبالتأكيد لايمكن إغفال دور وجهاء المناطق والفعاليات الرسمية والشعبية الأخرى ، في حملات التوعية ، التي يُفترض أن تحقق غاياتها بعد تلك المأساة التي اصطبغت فيها الكمأة بدماء الأبرياء .
محمد أحمد خبازي