من إفرازات العولمة المشؤومة التي ساهمت بها الحضارة الأمريكية والتي ما انفكت تدمر روح الإنسان , وتسلمه إلى مزيد من الشقاء هي الانتشارالسريع لظاهرة مطاعم الوجبات السريعة ومن أشهرها سلسلة مطاعم « ماكدونالد» العالمية حيث أخضع النظام الرأسمالي الناس في شتى أصقاع العالم إلى نظام الأطعمة الجديد « التي ساهمت به ومن خلاله الثقافة الاستهلاكية في نظام انتهجته وحددت أنواعه وقامت بتسويقه وجندت له الدعاية والشهرة عالمياً .
وساقت له أنها تقدم لأطعمتها تركيبة سحرية عجيبة من توابل وخلطات ومنكهات تظهر طعماً ومذاقاً فريداً مميزاً .
وكانوا يسوِّقون لذلك دعايات أولها أنها تأتي من أمريكا مباشرة مثل «فروج كنتاكي» وكذلك تأتي معها جميع المواد الغذائية لسلسلة مطاعم «ماكدونالد « المنتشرة في أكثر عواصم العالم وكبريات المدن يساندها في الترويج لها امبراطورية إعلامية خاصة تقوم بالدعاية والتسويق لها في هذا العالم المجنون وبالتطبيل والتزمير والترغيب بها وخاصة بين شباب محموم صار البعض منه يتحمس لها بل ويفاخر بالتقاط صور له أمام مطاعم ماكدونالد وهو يرفع بيد علبة الكولا وبالأخرى سندويشة عليها علامة ماكدونالد دون أن يعير انتباهه أو أن تحدثه نفسه في أن يبحث عن أسرار هذا الطعام ومحتويات المواد الغذائية فيه وعلاقتها بصحة الإنسان , لقد دفعته رغبة التقليد والتشبه بمشاهد ودعايات وإعلانات وممارسة عادات وافدة إلينا من الغرب اعتقَد فيها أنه بتناولها سيظهر على أنه حضاري وراقي وكان من جراء أول مظاهر هذه العادات هي تناول الطعام خارج البيت ومن غير داع لذلك أو ضرورة ما وتلك ظاهرة صار يعانيها مجتمعنا الحاضر .
كما زينت تلك العادات الوافدة إلينا وأضافت الى هذا التقليد الجديد أن الشهوة الجامحة بأكل اللذيذ من الطعام الغريب عن موائدنا الشرقية هي التي تجعل شبابنا يصر على تناول الطعام خارج البيت مع العلم أن المطبخ العربي لايتفوق عليه مطبخ آخر ذلك أن بلادنا بلاد خيرات لطبيعة أرضها ووفرة مياهها وجميل مناخها وبذلك فإن شهرة الطعام والمأكل العربي هو ثقافة من صنوف ثقافاتنا نحن نعتز ونفاخر بها .
إن شخصية الأمة ترتبط وتتبلور من خلال ربط القيم وأنماط السلوك الإجتماعي والعادات والتقاليد ومنها عادات الزواج , والعلاقات الإجتماعية , والأكل ,واللباس ..الخ..وإن نظام الأطعمة الجديد يحاول أن ينال من ثقافتنا في المأكل ويكسِّر آدابها وأخلاقها المرعية فثقافة الإسلام أكدت على آداب المأكل وعلى آداب الشيء المأكول وأخلاقية النظام الغذائي ،وجاء الاسلام بنظام وقائي وغذائي في غاية الدقة والكمال . وأكد على آداب الطعام وتناوله , وكذلك على آداب المائدة كاستحباب غسل اليدين قبل وبعد الطعام , وآداب الجلوس على المائدة ,والمضغ , وتحضير اللقمة واستحباب تناول الطعام وقت الإحساس بالجوع , وعدم الأكل حتى الشبع التام .. و .. و.. كل ذلك بينَّته السنة النبوية وآي الذكر الحكيم بل وثقافتنا ومن بعض منها « أحياء علوم الدين « للإمام الغزالي وغيره , وغيره..
فمثلاً إن أخطر ما يواجه النظام الطبي اليوم من مشاكل صحية هي مشكلة اللحوم وما يتبعها من حفظ وطهي وطريقة ذبح كل ما سبق ضربت به تلك المطاعم الحديثة عرض الحائط وصحيح أن دوائر الصحة ساهرة تتربص وهي عين لا تنام إلا أن الغشاش يبغي ربحاً وفيراً بأقل التكاليف .
لقد باتت الأمهات في بيوتهن تحن إلى اجتماع الأسرة كاملة حول مآدب الطعام ويشكون أولادهن لانصرافهم عن تناول طعام الطبخ وتناولهم طعام الشارع حتى في ساعات متأخرة من الليل خارج البيت وسهرهم وفوقها فواتير جوالاتهم المرتفعة مما يسبب ذلك نزيفا ماديا وهدرا لا مسوغ له يثقل كاهل الأهل.
كنا فيما مضى نرى قطعة الخبز الصغيرة على الأرض فنرفعها ونقبلها فإن كانت نظيفة أكلناها دونما حرج أو وضعناها على حرف حائط أو في شق جدار ندعو الله أن يحفظها لنا من نعمة .
لقد أضحى تناول الطعام في الشارع عادة ورمي مهملاته من زجاجات مياه غازية وصحون وكؤوس بلاستيكية باستهتار , ودون مراعاة لنظافة المدينة وجهد عمال النظافة فهل هذه هي مظاهر الحياة العصرية ؟
روى لي أحدهم أنه لن ينسى ما عاش علقة ذاقها وتوبيخا سمعه من أبيه كل ذلك كان بسبب علكة كانت في فيه وفي غفلة منه نسي أن يلفظها حيث صدف يلوكها في حضرته !
وآخر حدثني أن الكندرجي فيما مضى ومثله سائر أصحاب المحلات في سوق الطويل كان يستر طعامه عن أعين المارة وذلك بوضع مقعد كرسي القش أمام طعامه وهو يتناوله ومتجها بوجهه قبالة داخل الدكان حياء وخجلا من أن تراه المارة وهو يأكل .
فتصور يا رعاك الله !….
محمد مخلص حمشو