كنا نعتب على زملائنا الأدباء في جمهورية مصر العربية, بخاصة أولئك الذين يعتبرون أنفسهم قامات عالية وعمالقة يشار إليهم بالبنان.. كنا نعتب عليهم ونحن نتابع باستغراب أسلوب تواصلهم مع جمهورهم المثقف, عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة…
كنا نعتب عليهم.. لأنهم كثيراً مايلجؤون في إطلالاتهم التلفزيونية، أو مقابلاتهم الإذاعية, أو لقاءاتهم الصحفية المرافقة لنصّ أدبي ما.. يلجؤون إلى اللهجة المصرية, والعامية المحلية, مبتعدين عن لغتهم الأساسية, اللغة العربية الفصحى, التي يكتبون بها إبداعاتهم الثقافية, ونصوصهم الشعرية ,وقصصهم النثرية، ومقالاتهم ودراساتهم وموضوعاتهم ذات الاتجاهات والتوجيهات المختلفة!..
كنا نستغرب ابتعادهم عن الكلمة الوهاجة، والأسلوب الرفيع, والمصطلحات الرصينة.. التي عُرِفوا بها, عبر نصوصهم الإبداعية المنشورة, والتي جذبت قرّاءهم، وأخذت بمجامع متابعيهم في مختلف أنحاء وطنهم الكبير..
فالعامية يلجأ إليها عادة عوام الناس, بينما الفصحى تتعلق بالنخبة التي تكون عادة في المقدمة, النخبة التي تعكس تراث المجتمع وقيمه وأصالته، والفصحى في الأصل هي لغة الجميع, لغة الأمة التي نسعى إلى لمّ شملها, وتوحيد هدفها وغايتها وسياستها, فإن أدارت النخبة ظهرها لهذه اللغة الرائعة, فمن هو القادر على صونها والمحافظة عليها؟!!.
والمشكلة أن هذه الطريقة, لم تعد مقتصرة على أدباء مصر الشقيقة، بل تجاوزتهم إلى أدباء آخرين في عالمنا العربي, حتى إن (البلّ) قد وصل إلى (ذقوننا)، والعدوى قد انتقلت إلى ألسنتنا, فبعد أن كان أديبنا السوري فيما مضى, حريصاً على التحدث بالعربية الفصحى, في الجلسات الجادة, والمناسبات الرسمية.. أصبح الآن يميل في حديثه إلى اللهجة العامية, ويتحدث بها مثل أيّ مواطن عادي يتم لقاؤه (لاعلى التعيين) عبر برنامج تلفزيوني أو إذاعي, أو يتم التقاطه وهو يمشي في شارع عام!!.
استمعت إلى برامج, وشاهدت لقاءات, وتابعت مقابلات, وكنت في غاية الدهشة والاستغراب, حين أجد أديباً مرموقاً يبتعد عن لسانه الفصيح في مواقع تُعنى بالثقافة, وتهتم بالأدب واللغة!
لانريد للغة الفصحى أن تكون لغة الأديب فقط, بل نريدها أيضاً لغة المعلّم في صفّه, والموظف في دائرته, والأكاديمي في جامعته, والمثقف بين كتبه وأوراقه وأدواته, والسياسي في خطبه ولقاءاته وحواراته.
أعيدوا للغتنا العربية منزلتها ومكانتها, أعيدوا لها ألقها ورونقها وبهاءها، أعيدوا لها دورها الريادي, وسمعتها العطرة, ووظيفتها المرموقة, وقدرتها على تجميع العرب, وإزاحة حدودهم الفاصلة, وطمر خلافاتهم ونزاعاتهم.. بل إحياء تاريخهم التليد, ومجدهم الغابر، وتفوقهم العلمي والأدبي.. ولنتذكر قول الشاعر:
لمصرَ أمْ لربوعِ الشامِ تنتسبُ هنا العُلا وهناكَ المجدُ والحسبُ
أمُّ اللغاتِ غداة الفخْرِ أمهُما وإنْ سألتَ عنِ الآباءِ فالعربُ
د . موفق أبو طوق