أنا شابٌ ودّعَ طفولتهُ على مفرقِ ويلاتِ الحرب وشبَّ على رائحةِ البارود شابٌ قد عاشَ شعورَ الوداعِ عشراتَ المرات فَـشطرٌ من أصدقائهِ قد تهجر وشطرٌ آخر قد وارى الثرى وشطرٌ قد فُقد ، وبقيتُ أنا مع الشطرِ الذي اصيبَ بذاكَ المرض الذي تغلغلَ في خلايا فكرهِ وعقلهِ وأرهق جسده ، المرض الذي يؤلمه في اليوم ألفَ يوم وفي العام ألف عام ، الشطر الذي أصيب بسرطان الظروف ، فلا يحق لأحد لومنا على التقصير ، فنحن قد نجحنا في مواساة أمهات أصدقائنا الشهداء يا سادة تهت وتاه الذي في صدري فلا أعلم هل أنا في الطريق الصحيح أم أنني أمشي إلى الهاوية والموت المحتم أحلامي وأمالي باتت سلعة يشتريها ذاك الذي ولد وفي فمه ملعقة من الذهب ، فأصبحتُ أنا و أمثالي نقاتل لغاياتنا ونواسي طموحنا لعله ينفجر واصلاً إلى السماء ورغم صعوبة الصراعات و ملامحنا المتعبة مازلنا نراهنُ على البقاء .
سامحنا يا وطني ولا تبكي فأنت لازلت أنت وقلوبنا هي التي تغيرت، لازلت كريماً عطوفاً لأبنائك، ولكن أبناءك يا وطني عقوق، فالناسُ دون الناسِ يا سادة، والقلوبُ تحجرت والضمائر قد قُتلت والعينُ ترى ما تريد أن تراه فقط ، والنقود التي تشتري حذاءً لطفل ذاك التاجر صاحب النفوذ بمقدار مصروف شهرٍ كامل لتلك العائلة الفقيرة والمال الذي يرميه شابٌ ثريٌ لملذاتٍ شخصية في ليلة واحدة كان كافياً ليسمح لذاك الشاب الفقير بالالتحاق بجامعته ودفع مصاريفها، لكن الزمن قد رمى بالشاب الفقير أمام عجلات سيارة الشاب الثري لتلميعها يا وطني
فايز طريف الكردي