أيـــن أمــــي؟

سألت «رزان خروفها الأبيض:
ـ لماذا لم ينبت قرناك، أيها الخروف الصغير؟
صاح الخروف:
ـ ماع .. ماع..
ولم يجب لأنه كما تعرفون لايستطيع الكلام.
سألت «رزان» شجيرة الياسمين:
ـ كيف استطيع الوصول إلى أزهارك البيضاء؟
لكن شجيرة الياسمين لم تردّ أيضاً،اكتفت بنشر عطرها الناعم، ونثرت أزهارها الصغيرة كالنجوم.
سألت «رزان» دميتها الشقراء:
ـ لماذا تأخرت ماما؟
هزّت الدمية رأسها،واحمر خداها ولم تردّ أيضاً،لأن الدمى لاتعرف الإجابة عن أسئلتنا..
بكت «رزان»هيء..هيء..هه….هه..هه..لكن أحداً لم يسمع بكاءها،فهي وحيدة في الغرفة،على الأريكة جالسة، والنافذة العالية فوقها..
أسندت رأسها إلى طرف الأريكة.. و..سكتت.. كانت تحدق إلى ثوبها، على ثنياته أزهار صغيرة،وفراشات ملونة،وخطوط مرحة زرقاء وحمراء.. طال تحديقها.. والفراشات تتطاير أمام عينيها صعوداً وهبوطاً بين الخطوط والأزهار..
قالت هامسة:
ـ ليت لي جناحي فراشة لأطير وأبحث عن ماما.. أين ذهبت ماما؟
طارت «رزان»..
صارت فوق النافذة العالية..
طارت ..طارت.. صارت فوق شجيرة الياسمين.
طارت .. صارت فوق السطح.. حسبت أنها ستفزع العصافير والحمائم. غير أن العصافير زقزقت على كتفيها قائلة:
ـ أهلاً بك يا»رزان».
ثم رقصت حمامة صغيرة بين يديها وأخذت تهدل بصوت رخيم..
ـ كوكو.. كوكو..كوكو
طارت أكثر،صارت فوق الشارع العريض،والساحة الفسيحة،فوق إشارات المرور،رأت الشرطي هناك بقبعته الناصعة وكميه الأبيضين، ينظّم عبور السيارات والناس،لوحت له بكفّيها .. طارت..صارت فوق السوق المزدحمة والأبنية الكبيرة،رأت العمال يدفعون العربات،والعرق يتصبب من جباههم،رأت الموظفين في المكاتب،والموظفات ينقرن على الآلات الكاتبة أو على أزرار الكمبيوتر. تك . تكو. . تك . . تك . . تاك . . تاك . . تك. .
ابتسمت وهي تراهم يلوّحون لها بأيديهم وراء النوافذ اللامعة..
طارت، صارت فوق البساتين الخضراء،رأت المزارعين يعملون بهمة ونشاط حتى إنهم لم يرفعوا رؤوسهم أو يردّوا على تلويحة كفها.
طارت..صارت فوق الحديقة القريبة من النهر،رأت طفلاً صغيراً في مثل عمرها،عرفته من خصلة شعره الأشقر على جبينه،إنه «أسعد» الولد المشاكس دائماً في روضة الأطفال،كان يمدّ لسانه الأحمر،ويشدّ أذنيه..دَوْ..دَوْ..دَدْ..دَدْ..دَدْ أصابعه ملوثة بالحبر،ونصف أزرار صدريته مقطوعة صاح «أسعد» وهو يجري..
ـ انظروا..»رزان» تطير «!» «رزان» تطير!ثوبها الملون بأزهاره وفراشاته وخطوطه الزرقاء،والحمراء يبدو كالمنطاد،وهي ترتفع بعيداً في سماء زرقاء،ركضت معها قطع من غيوم بيض،ركضت كالخراف إلى جانبها..ارتفع صياح»أسعد»:
ـ خذيني معك..
ـ لا..لن آخذك،أنت ولد مشاكس.
ـ أرجوك..خذيني..ساكون عاقلاً!
ـ ثيابك ملطخة بالحبر..هذا لايليق أن تذهب.
ارتفع صياح الأولاد أكثر..كانوا يرددون مع «أسعد»:
ـ رزان..رزان..
وهوب . . هوب . . هب . . سقطت من فوق الأريكة،سقطت على البساط المزركش.
كانت ماما أمامها..قربت وجهها اللطيف،وقالت:
ـ ألم أقل لك..لاتنامي على طرف الأريكة؟
فتحت»رزان» عينيها وهمست:
ـ كنت ابحث عنك،ياماما!..

قصّة : نزار نجار

 

المزيد...
آخر الأخبار