يعاني الأيتام ظروفاً نفسية واجتماعية صعبة في ظل غياب الوالدين أو أحداهما في مجتمع تختلف فيه الآراء حول التعامل مع هذه الظروف، وعن هذا الموضوع حدثتنا الأخصائية بعلم النفس سولاف سموع قالت : عندما نسمع بكلمة يتيم يتبادر إلى أذهاننا الظلم والقهر والحرمان النفسي، فلا نكاد نسمع عن يتيم إلا ونتخيل أمامنا صورة طفل ذليل يشعر بالحرمان والنقص والقهر، إلا أن هذه الصورة للأسف في أغلب الأحيان تكون صحيحة، ولكن ما ليس بصحيح أن نرجع السبب في ذلك إلى الشخص اليتيم، لأنه ليس المشكلة في حد ذاته وليس هو المسؤول عن هذا الواقع الأليم، وإنما المسؤول عن ذلك هو المجتمع والنظرة الخاطئة نحو اليتيم. لذلك فإن مظاهر الظلم والقهر والإهمال وكل الاضطرابات النفسية التي تحتل نفوس الأيتام لا علاقة لها باليتم أو بفقد النسب بل هي من صناعة المجتمع الذي يهمل الأيتام. يمثل الوالدان بالنسبة للطفل حياته ونموذجه الأعلى والمصدر الأول لإشباع حاجاته البيولوجية والنفسية والاجتماعية، وعن طريق الوالدين ينشأ الطفل ويترعرع، ويكتسب أنماط السلوك الاجتماعي المقبول، وإذا ما غاب هذان الوالدان أو أحدهما عن حياة الطفل فإن ذلك يؤدي بلا شك إلى تصدع في حياته ونموه النفسي والاجتماعي السوي. ومن أجل وقاية الطفل اليتيم من مجموعة الاضطرابات النفسية التي قد تواجهه في مسيرته الحياتية، فلا بد من إشباع مجموعة الحاجات النفسية والاجتماعية، لينشأ طفلاً سوياً، ينتمي إلى المجتمع الذي يعيش فيه، ومشاركاً وبناءً في صناعة المستقبل، وليس مجرد متلق للمن والإحسان من الآخرين. ولا شك أن فهم حاجات الطفل وطرق إشباعها يضيف إلى قدرتنا على مساعدته للوصول إلى أفضل مستوى للنمو النفسي والتوافق النفسي والصحة النفسية
أهم الحاجات
ومن أهم هذه الحاجات التي ينبغي الانتباه لها عند اليتيم وإشباعها:
الحاجة إلى المحبة: وهي من أهم الحاجات الانفعالية التي يسعى الطفل إلى إشباعها، وتبادل الحب بينه وبين والديه وإخوته وأقرانه حتى يحقق الصحة النفسية، وحينما لا يتمكن الطفل اليتيم من إشباع هذه الحاجة فإنه يعاني من الفقر العاطفي، ويشعر أنه غير مرغوب فيه ويعاني من سوء التوافق النفسي.
الحاجة إلى الرعاية الوالدية والتوجيه إن الرعاية الوالدية، وخاصة من جانب الأم للطفل هي التي تكفل تحقيق مطالب النمو تحقيقاً سليماً. وإن غياب الأب أو الأم بسبب الموت أو الانفصال أو العمل وخاصة في حالة اشتغال الأم عن الطفل وتركه للخدم أو إيداعه في مؤسسة يؤثر تأثيراً سيئاً في نموه النفسي.
الحاجة إلى إرضاء الكبار: يميل الطفل إلى أن يرضى عليه الكبار وخاصة والديه، عن طريق إظهار مجموعة من السلوكيات أمامهم، وطاعتهم، وتقليدهم، وبالتالي ارتياحه عندما يتمكن من إشباع هذه الحاجة وعندما يلتفتون له ويرضون عنه، وينطبق الأمر ذاته على الحاجة لإرضاء الأقران من نفس العمر والاهتمامات.
الحاجة إلى التقدير الاجتماعي: يحتاج الطفل اليتيم إلى أن يكون مقدراً من قبل البيئة الإجتماعية المحيطة، ولكن إذا نظر له المجتمع بالنقص وأنه أقل من غيره فإن ذلك يقوده إلى عدم التوافق الاجتماعي والعزلة، ولنقمة على المجتمع في بعض الأحيان.
الحاجة إلى تعلم المعايير السلوكية: وتعتبر هذه حاجة ماسة بالنسبة لليتيم، الذي يحتاج بدوره إلى تعلم وتقليد معايير السلوك الاجتماعي، والتمييز بين الصواب والخطأ، وفي حال غياب الوالدين فقد تغيب المعايير السلوكية عند الطفل اليتيم، وبالتالي التخبط والعشوائية في السلوك.
الحاجة إلى الأمن: يعتبر الوالدان هما مصدر الأمان الأول بالنسبة للطفل، وغيابهما يؤدي إلى الخوف والقلق من المجهول ومن المستقبل، لذا فإن الطفل اليتيم يحتاج إلى الحضن الدافئ الذي يركن إليه ويستمد منه قوته ودافعيته خلال حياته. وعلى الرغم أن اليتيم هو من فقد والديه أو أحدهما الأمر الذي يكون قاسياً عليه خاصة عندما يكون اليتم في المراحل المبكرة من الحياة، إلا أن اليتم في حياتنا العصرية أ صبح ينطبق على الكثير من الأطفال الذين والديهم على قيد الحياة. فعلى سبيل المثال هناك أيتام توجد في أسر تفتقر إلى العلاقات الإنسانية فالأم تكون عاملة أو لديها مهام أخرى ولا يشغل الطفل الحيز الذي يجب أن يشغله من تفكيرها. لأن لديها ما هو أهم منه. أما بالنسبة للأب نجده بعيداً إما بسبب السفر أو التواجد فقط اسماً وكل ما يعنيه هو توفير النفقات المادية، ولا يشغل نفسه بغير ذلك . فينشأ الطفل في هذه الأسرة وفي داخله شعور اليتم وتنطبق عليه الكثير من الحاجات آنفة الذكر.
ومن أجل إشباع هذه الحاجات، فلا بد أن يتم دمج اليتيم في الحياة الاجتماعية، وألا يتم عزله، بل إشعاره بأنه فرد كامل الحقوق والصلاحيات، وعدم السخرية منه وقهره ونبذه، وأن يتم تأهيله التأهيل المناسب حتى يحقق النجاح ويشعر به كما هو حال الآخرين، فينشأ حينها بشكل متوازن نفسياً ومتوافق مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه. ولكن على النقيض من ذلك، عندما يوضع هؤلاء الأطفال الأيتام في مكان يعزلهم عن المجتمع، فيشعرون حينها أنهم مختلفون عن بقية أفراده، ما يولد لديهم شعوراً بالكراهية والحقد على المجتمع، ويشعرون بأنهم غير منتمين له، وتكثر حينها احتماليات ظهور السلوكيات المضادة له. ونورد فيما يلي مجموعة من أساسيات التعامل مع اليتيم:
كيفية التعامل مع اليتيم
– زرع الحب والثقة في نفسه – إدخال البهجة والسرور إلى اليتيم – لين الكلام والكلمة الطيبة والثناء عليه – إمداده بالعاطفة اللازمة والاستماع له – إيجاد نماذج السلوك الاجتماعي والقدوة الحسنة له – تدريبه على السلوكيات التي تنمي فيه روح المسؤولية والاستقلالية – إمداده بخيرات النجاح التي تشكل له دافعاً لحب الحياة والمستقبل.
وأخيراً: فإن البيئة المحيطة باليتيم تساهم في بناء وتشكيل شخصيته، خاصة إذا كانت بيئة صالحة تواظب على توجيهه نحو الرفعة والسمو، أما إذا كانت بيئة غير صالحة ومهملة، لا تكترث ولا تبالي به، فإن اليتيم حينها سينشأ شخصية مضطربة تشوبها الكثير من المشكلات التي تعيق النمو السليم والتوازن الصحيح بين جوانبها المختلفة.
شذا رحال