فنان نخب عاشر

بحكم تجربتي بالمسرح (تأليفاً وإخراجاً ) تعرفت على شريحة كبيرة من الفنانين الذين يمارسون الفن كهواية,من ضابط الإيقاع ,أو كما تسميه العامة (طبال) إلى فنان بمرتبة المايسترو,وفنانين من المسرح وهم كثر وأغلبهم كومبارس بالدراما وفنانين كبار على خشبة المسرح ,وبعضهم أسعده الحظ بأن ظهر بعدة مشاهد من الدراما, وربما في السورية عبر المخرج الحموي ريمون بطرس ـ عافاه الله من مرضه! ـ وكانت أذني تصطاد آراء( بعض) العامة عن هؤلاء , ويذهب بعضهم بالشارة إليهم وكأنهم دخلاء على المجتمع ,طبعاً بنظرة تشوبها الفوقية وتصل أحياناً للازدراء وربما تصل للسخرية , ومنذ أيام كنت بالمصادفة بمحل أحدهم فدخل ضابط الإيقاع (الطبال) يسأل عن أمر ما, فإذا بسيارة تتعطل وسط الشارع المزدحم ,فما كان منه إلا أن تركنا وراح بسرعة مندفعاً (يدفش) السيارة المعطوبة ,وطبعاً كان يرتدي طقماً رسمياً وربطة عنق ,ودون أن يطلب أحد منه ذلك , تملكني شعور بالغبطة والسعادة , هي الشهامة ونجدة الناس في مأزقهم ودون أن يذكره أحد بهذا الواجب الإنساني .
وفي الطرف الآخر صديقي الفنان المسرحي الذي ما نال من المسرح والفن إلا الفتات على الرغم من أنه فنان مخضرم بالمسرح وهو يعيش بحالة شبه مزرية ,من خلال راتب متواضع جداً جداً ,ومسكن بسيط في حي تضيع فيه من أزقته المتداخلة .ولم يسأل أقرباءه أو أحداً من الناس المساعدة في مواجهة متطلبات الحياة القاسية. منذ فترة أحيل للتقاعد وقبض مبلغاً يقارب نصف مليون ليرة ,وأعتقد أن هذا المبلغ هو أكبر مبلغ يحصل عليه طيلة حياته ,وهي تعويضات نهاية الخدمة , دفع لي بجزء من هذا المبلغ قائلاً : خود المصاري وقت بصير معك عطيني ياهن.
أنا وضعي المادي أفضل منه بكثير, بالنسبة له هذا المبلغ البسيط ثروة ,ولكنه أصر قائلاً : (إذا بتعرف حدا محتاج وبأزمة وممكن يرجع المبلغ بعد فترة أنا جاهز , بس لا تقلي واحد بحاجة لعملية قلب مفتوح لأن بتكلف مليون ونصف وأنا ما معي إلا أقل من النص..).
هذا صديقي الفنان (البائس) يعرض ثروته لأي محتاج دون تبجح أو استعراض أمام الناس.

محمد أحمد خوجة

 

المزيد...
آخر الأخبار