المرأة المبدعة، ولاسيما الأديبة، وخصوصاً الشاعرة، محاصرة بمنظومات من القيم الفنية والاجتماعية والأخلاقية الذكورية، مما حال دون تفوقها وتألق موهبتها، حدث ذلك في الغابر والحاضر، وعند الأمم والشعوب كافة، يدلك على ذلك قلة عدد الأديبات والشواعر، نظراً لما يتطلبه الشعر من بوح في أمور ظن الرجال أنها من حقهم وحدهم، أما ما وصلنا من شعر قالته المرأة، أقصد المرأة العربية تحديداً، فقد خصص للندب والرثاء وترقيص الأطفال..فإن أحبوا أن يسمعوا من المرأة غزلاً تركوا ذلك للإماء والقيان والمغنيات، إذ لا يليق بالحرائر أن يفعلن ذلك، أما الاستثناءات فتؤكد القاعدة، كما يقول المناطقة، وأطلقوا على المرأة الشاعرة التي تقترف قول الغزل اسم ( الوامقة ). وربما قرأ بعضكم عن طرب (المعتصم ) من صوت (لحن) غنته بحضرته إحدى القيان، ولما علم (جلالته) أن الشعر لعمته ( علية بنت المهدي) امتعض وغضب. بل إن أخاها (هارون الرشيد) لم يتخلص من الحرج مما تقوله وتتغزل به إلا يوم طبع قبلة على جبينها الشهير بعرضه ,يوم موتها. تقول الكاتبة (فرجينيا وولف ) مامعناه : إن المرأة الموهوبة لابد أن تصبح مجنونة أو إنها ستنتحر أو ستقضي أيامها وحيدة في كوخ منعزل خارج القرية، أي خارج المجتمع، يخشاها الآخرون ويسخرون منها.
ويبدو أن الكاتبة المذكورة على حق , فالمرأة الموهوبة التي تستجيب لنداء موهبتها ستشقى بذلك، ولن يقدم لها المجتمع أي دعم أو مساندة، بل إنها ستجد من يحطم موهبتها (ويكسر مجاذيفها)، من الرجال والنساء ويا للمفارقة : الرجال الذين يخشون على (فحولتهم الإبداعية) من امرأة تشعر بقوتها وتميزها واستعداداتها، والنساء بدافع الحسد، أو بدافع الاستهجان، بعد أن أدمن القهر إلى درجة لم يعدن يشعرن به وﻻ بالاستلاب الذي يرزحن تحته، مما جعلهن يستربن بالمتمردات عليه، ويصفن هذا النمط من النساء بالمسترجلات، وكأن الشعور بالحرية والكرامة من حق الرجال دون النساء ؟؟!!.
وثمة نمط آخر من الرجال يضر المرأة المبدعة من حيث يريد أن ينفعها، إنهم الذين يقدمون دعماً مجانياً للمرأة المبدعة حين يتقبلون منها أي نتاج هاماً كان متواضعاً، ويتبرعون بتقديم المبررات والمسوغات الفنية له، في تدليس نقدي خبيث أو ساذج، فالأمر سيان.
ودفعاً لأي لبس أقول: إنني مؤمن بأن الأنثى أنثى والذكر ذكر من حيث طبيعة البنية الفيزيولوجية لكل منهما، وبأن هذه البنية تجعل لكل من المرأة والرجل طبيعة خاصة ووظيفة خاصة (من الناحية الجسدية)، وإن هذه الوظيفة الجسدية لا تؤثر في المكانة الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، أي إنها لا ترفع من قدر الرجل ولا تحط من قدر المرأة، فهما مخلوقان من نفس واحدة، والنساء شقائق القوم، دون أن يفهم من كلامي أنني أدعو إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الأمور كافة ففي هذه المساواة ظلم للرجل وللمرأة في آن معاً، ولاسيما حين يتم تكليف المرأة بداعي هذه المساواة الساذجة، بما لاتطيقه طبيعتها واستعداداتها الفيزيولوجية، أما ما وراء ذلك فهي إنسان كامل الإنسانية، ولايقول غير ذلك إلا معاند.
أعود إلى الحيف والقهر الذي نزل بالمرأة نتيجة منظومات القيم الثقافية والاجتماعية والأخلاقية والفنية التي أنتجها الذكور، والتي تتعامل مع المرأة كمخلوق من الدرجة الثانية، هذه القيم التي كانت تنتج، وتعيد إنتاج، القهر والحيف دون مبرر عقلي أو شرعي، حتى ظن الناس، رجالاً ونساءً، أن القهر الذي تعانيه المرأة ضربة لازب !
ومادمت بصدد كتابة هذه الزاوية التي تهتم بالجانب النقدي والثقافي والأدبي، فإنني أتساءل عن القيم التي كرسها الأدب، إبداعاً ونقداً، تجاه المرأة، وأتساءل عن صورة المرأة كما تم نتاجها في النصوص الإبداعية والنصوص النقدية . وأتساءل عن سبب كون هذه الصورة موضوع انتهاك و اضطهاد دائماً . وأتساءل مستنكراً، عن سبب (تمرجل) بعضهم على المرأة إذا حاولت أن تأخذ بعض حقها، وأن تحجز لنفسها مكاناً بين المبدعين بفضل موهبتها واجتهادها!
ولا أجد جواباً سوى الرغبة التي قد تكون لاشعورية عند بعضهم لتكريس تبعية المرأة للرجل، ودفعها للخضوع إلى عالمه ومعاييره ومقاييسه الذكورية ….
أولم يقل (الفرزدق) بحق امرأة قالت الشعر : إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبحوها ؟! وما أكثر من هم على شاكلة الفرزدق، أقلامهم سكاكينهم، ومواقفهم تنم عليهم، ولاغرو إن تقبل الآخرون كلامهم، ألم يأخذ قول الفرزدق مكانه في معجم الأمثال؟؟؟!!.
محمد راتب الحلاق