مي زيادة ..نابغة الشرق … المأساة ..

 كانت أعوام سوداء ../1930ـ1931ـ1932/ حافلة بالنكسات توفي والدها..وزوجته وابنته ووالدتها ..ثم إن حكم القدر على (مي) قاسيا جدا في /10نيسان 1931/ توفي جبران في مشى سان فنست بنيويورك بأمريكا .. وهكذا أصبحت (مي) وحيدة بلا حنان .. ولا أمل ..

فجعت (مي) بجبران .. لقد مات الحبيب والصديق والملهم وبموته صدعت (مي) جسما وروحا فهو شريك قلمها وعقلها وروحها .

إنها في فراغ مخيف يلفها من كل اتجاه ..سألت نفسها يوما من أنت يا(مي)؟ أجابها الصوت ، وتر مقطوع لايرن فيه نغم .. أحسست أنها صارت لاشيء ؟

انتهت (مي) فكريا وصحيا كما انتهى جبران من الوجود .

عشر سنوات ومي تحتضن معها أينما حلت أو رحلت رسائل جبران وصورته (وقد عبارة وجدانية حسنا فعلت إن رحلت فإذا كان لديك كلمة تقولها فخير لك إن تصهرها وتثقفها لتستوفيها في عالم ربما يفضل عن عالمنا هذا في أمر شتى والى جانب صورته التي احتفظت بها حتى نهايتها كتبت (هذه مصيبتي أنا) .

تأملت ذلك الصالون الأدبي المحزن ..المفرح نتاج أدبي قيم وميراث ضخم من الكتب والمجلدات المترجمة إلى العربية .

ـ وأراء كبار الكتاب والشعراء العرب في (مي)الأديبة النابغة .. الحزينة المريضة لقد فقدت إلهامها والعزيز لديها .. كانت (مي) .. ظاهرة اجتماعية وأدبية اذ سبقت الرائدات اللواتي نبغن في سوريا ومصر ولبنان في النصف الأول من هذا القرن وتفوقت عليهن في كل المجالات الأدبية والصحفية عبر ندوتها الأسبوعية على مدى عشرين عاما فكيف لا يكون أثر عميق في تلك الحقبة الزاخرة بالعطاء الأدبي والفني والشخصيات المبدعة سواء في حقل الصحافة أو الأدب .

ـ عشقت أديبة الشرق اللغة العربية فاهتمت بالمجامع العلمية وأعجبت بفصاحة القرآن وفصاحة المسلمين وحسن نطقهم وقوة أسلوبهم مما حملها على الدفاع عن اللغة العربية الفصحى واقترحت على المجمع اللغوي ( سابقا ) تأليف كتاب يلخص القواعد بصورة وافية وأسلوب حسن بحيث يمكن من الإلمام بها في اقصر وقت .
ـ ( مي ) سيدة الأدب العربي الحديث .. آثارها مازالت تشرق وتشع ثقافة فوق مكاتبتنا وبين أيدينا إنها تعيش معنا روحا وفكرا.

لها مقالات لم تجمع في كتاب لقد نشرتها في أواخر حياتها في المقتطف والهلال والزهور .

ثلاث روايات مترجمة ـ كتاب باحثة البادية ـ كتاب المساواة ـ مجموعة مقالات ـ وكتاب كلمات واشارات ظلمات واشعة ـ كتاب غاية الحياة ـ صحائف ـ كتاب المد والجزر ـ ديوان بالفرنسية ـ أزهار حلم إنها فاقت سيدات عصرها بما قدمته للصحافة والأدب .

ويتراجع القلم رويدا .. رويدا ويجف المداد .. فالكارثة اكبر من كل شيء برحيل صديق الكاتبة فالغروب الذي حدثته عنه في رسائلها لم يعد ورديا بلون الحب لقد صار حالكا حزينا وحبه الضبابي الذي غاب وذوى عشر سنوات عاشتها مي بعده كانت أسوأ سني حياتها .

ويأتي الربيع وأني للربيع أن يجدي لمي وهي في معتقل الخريف فكتبت بعض الكلمات وكأنها ترثي نفسها .. اليأس خالط صفائي ، والكابة حلت في مياهي.. الربيع الحزين.. الحزين هو ذا الربيع

ربيع الجحود والهجران .. كيف احتمل الربيع ؟

أنا في رحاب الأرض حبيسة ..

أنا تزد ردني الرمال على الدوام .. فأنى لي أن أعول ليس لي الربيع ..

ربيع الرمال والسعير .. ما حاجتي إلى الربيع ..

مزقتها الوحشة .. والفراغ الذي تركه جبران بحياتها ولم يكن يعوضها عن فقده شيء لا الناس ولا الرحلات ولا المطالعة ولا الكتابة .

أصيبت مي بانهيار عصبي وتراجعت صحتها حتى اتهمها اقرب المقربين بالجنون والحاجة للحجر الصحي فمس كرامتها ذلك الاتهام وكانت ثورة مي الصامتة على الظلم المؤلم ..

فاتصلت بأصدقائها الذين هبوا لنجدتها أمثال : أمين الريحاني .. فؤاد حبيش .. مارون غانم .. وغيرهم لقد بذلوا جهدهم وانقذوها من مستشفى الأمراض العقلية في بيروت إلى شقة استأجروها لأقامتها وهناك دعيت الأديبة لنابغة الى ندوة أقامتها لها ( جمعية العروة الوثقى )

لالقاء محاضرة في قاعة ( وست هول ) أمام أعضاء المحكمة التي تنتظر في قضية

( الحجر ) وكانت محاضرة ( مي ) يومئذ رسالة الأديب إلى المجتمع وصرخة مدوية في وجه التعدي على كرامة الأديب فقالت :

( رسالة الأديب تعلمنا كيف تخلق حضارة أديبة ، إذ بها لا بغيرها تقاس مواهبنا ويسبر غور طبيعتها ، هي التي تثبت وجودها وتنطق بلساننا مترحمة مبلغ الإنسانية فينا ).

هذا جزء صغير وبعض كلمات من رسالة ( مي ) العالمية كانت رسالتها مطولة بل أشبه بملحمة أدبية رائعة .

استردت كرامتها أفهمت العالم أن مي مازالت ماري الياس زيادة ) الأديبة العربية المميزة ونجم عن هذه المحاضرة إلغاء الحجر عليها وعادت إلى القاهرة مرفوعة الرأس إلى إن غار نجمها وفارقت الحياة بعد إن أنهت آخر صفحة من كتبها .

مي يا نابغة الشرق ، إن أفل نجمك من الحياة فهو مازال في سمائنا براقا روحا .. وكتبا .. وعلما .
رامية ملوحي

المزيد...
آخر الأخبار