أبواب الريح

 
وأذكر أنه أمضى الليل يسند الباب بذراعيه، والباب يرتعد خوفاً من ريح وقحة.. حاقدة تقهقه – تزمجر- تصفع الباب على خديه- تركله بكل عصف القوة الوقحة.
وعندما اهتز الزندان – سالا دماً على أخشاب باب مرتجف- راحت يداي تتحسسان مكان يديه.
وأذكر أن معلمنا – كان يقرأ بنا ونحن نتابع، عن رهان الشمس والريح وعباءة الأعرابي من التي تستطيع أن تنزع عباءة الأعرابي عن جسده.
الريح تزمجر – تعصف- تصرخ- تقهقه- تدور يميناً- شمالاً- ترتفع- تنخفض- وبزنديه وكفيه شد الأعرابي وشد (هذا أوان الشد فاشتدي..)
ماخانته العباءة اشتدت وشدت وعلى أقدام العباءة والجسد الممشوق خرت الريح كحفنة تراب.
بابتسامة شامتة، تسللت الشمس هادئة ، تمشي على رؤوس أصابعها، تداعب الجسد الملتف بعباءته، رويداً رويداً تتسارع خطواتها- تدغدغ الجسد- تخزه- تشعله- العباءة تنحل عراها، واليد الممسكة بها تغدو مظلة ومنديلاً يكف العرق عن العيون المتعبة.
عارياً  إلا من لهاث وظمأ، كانت العباءة شتيمة بأس وعجز واليد تقذفها في عين شمس مخادعة لئيمة، والشمس المطفأة راحت تهطل غضباً- صقيعاً- ظلاماً أسود حالكاً.
قطرات الدم تصبغ دروب الوجع والخوف وبين لفظ  الجحيم وعصف الصقيع – راح ينحني وذراعاه تتصدع كأخشاب باب نخرة.
العينان المتعبتان أرقاً وضنىً- تنوسان كمصباح نصف منطفئ.
وعندما التقت العين بالعين كان الكلام همساً طويلاً واسعاً بين جفن وجفن وفي إطباق جفنين مرهقتين متعبتين ضجت صرخة مكتومة.
” إن تناثرت أصابعك غباراً، وتساقط زنداك نبضاً تلو نبض- أقم صدرك العاري سداً واخنق الريح على عتبات أجفانك المتعبة”.
•زكريا ابراهيم المحمود
المزيد...
آخر الأخبار