عرفت بلادنا السينما في أوائل القرن العشرين وكانت (مصر) هي السباقة في ظهور أول فيلم مصري طويل وهو فيلم (ليلى) الذي أنتجته وقامت ببطولته (عزيزة أمير) وقد عرض في القاهرة في 16 تشرين الثاني عام 1927، ولكن في الحقيقة هذا الفيلم المصري كان قد ظهر قبل عشر سنوات, إلا أن كل ماسبق فيلم ليلى يعتبر في الواقع بمثابة تجارب أو محاولات بدائية غير ناضجة.
لم يكن فيلم لـ (ليلى) فيلماً سينمائياً بالمعنى الذي نفهمه الآن إنه أشبه مايكون برواية مسرحية, فهو مقسم إلى فصول, فنرى في بداية الفيلم لوحة تعلن بدء الفصل الأول, ثم الفصل الثاني, وهكذا.. ولم يكن في القاهرة وقتئذٍ استوديوهات للسينما, ولذلك صورت معظم مناظر الفيلم في صحراء الهرم وفي الشوارع, أما المناظر الداخلية فقد صورت داخل المنازل, وبلغت تكاليف إنتاج هذا الفيلم ( ألفي جنيه) فقط وقد حقق الفيلم نجاحاً وسجل رقماً قياسياً في طول مدة العرض إذ ظل يعرض لمدة ستة أسابيع, وهذا شيء لم يحدث قبل ذلك لأي فيلم أجنبي عرض في القاهرة..
ومثلت في هذا الفيلم بدور ليلى (عزيزة أمير) التي أحبها صاحب المزرعة التي تعيش فيها وحاول أن يعتدي عليها ولكنها قاومت, ثم أحبها فلاح من جيرانها وحاول أن يتزوجها ولكنها رفضت لأنها لم تكن تحبه, فقد كان قلبها متعلقاً بشاب يعمل (ترجماناً) ويبادلها الحب ويتقدم لخطبتها ولكن حبهما لايصل إلى النهاية السعيدة, إذ وقعت سائحة أمريكية شابة في حبه وأغرته أن يترك وطنه ويذهب معها إلى أميركا.. وعاشت ليلى وحدها شقية تعبة, فتركت القرية وذهبت إلى القاهرة. ولكنها لم تعرف السعادة..
واشترك مع عزيزة أمين في تمثيل هذا الفيلم عدد من ممثلي وممثلات المسرح منهم (ماري منصور) والراقصة (بمبة كشر) والمخرج (أحمد جلال) الذي كان يعمل وقتها في الصحافة وهو والد المخرج (نادر جلال) وزوج الراحلة (ماري كويني) التي جاءت من لبنان إلى مصر لتشارك خالتها (آسيا) في نهضة السينما المصرية وكانت حفلة العرض الأول حدثاً فنياً ضخماً شهده أهل الفن والصحفيون, ومنذ ذلك الحين أطلقت الصحف على عزيزة أمير لقب (مؤسسة فن السينما في مصر).
وشجع نجاح هذا الفيلم وحرارة الاستقبال الذي لقيه من الجمهور والصحافة كثيرين على دخول هذا الميدان الجديد, فظهر في الفترة من 1927 إلى 1931 وهي مرحلة الفيلم الصامت أحد عشر فيلماً كان أبرزها وأنضجها المصريين وأنتجه (يوسف وهبي) وقامت ببطولته بهيجة حافظ مع سراج منير, وزكي رستم, ودولت أبيض..
وكانت قصة زينب للدكتور محمد حسين هيكل هي أول قصة مصرية تظهر على الشاشة فمعظم الأفلام الأخرى التي ظهرت في هذه المرحلة كانت محاولات ساذجة إلى حد ما لتقليد الفيلم الأميركي (ابن الشيخ) الذي قام ببطولته نجم السينما الصامتة الذائع الصيت (رودلف فالنتينو) ومن هذه الأفلام (قبلة في الصحراء) و(فاجعة فوق الهرم) وقد أخرجهما (ابراهيم لاما) وقام ببطولتهما شقيقه (بدر لاما) و(غادة الصحراء) الذي أنتجته (آسيا) وقامت ببطولته مع ماري كويني وأحمد جلال, وأسيا لها دور كبير في نهضة السينما المصرية وصناعتها وظلت تعمل في مصر حتى منتصف الستينات إذ أنتجت الفيلم الشهير (الناصر صلاح الدين) الذي قام ببطولته أحمد مظهر مع نادية لطفي وصلاح ذو الفقار وحمدي غيث وليلى فوزي وغيرهم, وهذا الفيلم أصابها بنكسة مالية حيث أفلست وعادت لتستقر في بلدها (لبنان) حيث توفيت في منتصف الثمانينات من القرن الماضي.
أما بداية السينما الناطقة فلنا معها لقاء آخر.
سليم الشامي