ــ قالت الأرض : للزيزفون قميصاً من العطر ، ووشاحاً من المحبة ، ورفةً من عيون الليل ، وزناراً من الزغاريد ، يلف خصر المساءات الندية ، وأغنية تذرف دموع الاشتياق , وغيمة تكحّل مقلة الناظر من زمان . !
فتعالي نغمز روعة الفصول ، ونلتطي حضن الطبيعة الحنون ، ونشرب القهوة على ــ مصطبة ــ من الحوارات الهادئة !
ــ للشتاء عرس بين الذرة والقطن ، ومطلات أشجار البيلسان ، والبرق قصيدة تتصدر ــ مرسح ــ الأيام ، ها هي سوسنة تداعب قرنفلة ، وتعانق وجه الأقحوان في ــ حواش ــ حواكيرنا المعلقة كسلسال فضي يتباهى على نخلة ، عذراء تنام ملهوفة على زند البحر .. ! وحداء عصبي الإيقاع لك وحدك أيتها ــ الراعية السمراء ــ الحليب واللبن الصافي .. ورغيفاً مسفوحاً بالزبدة ومعجوناً بالسمسم ! وللثلج نشوي ( الدوام ) والبطاطا الحلوة ، نعبئ الزبيب في خلايانا ، وتختمر الدوالي ــ عناقيدها ــ في خوابينا ، نشعل الحطب ..، ولعينيك يا مرهونة الشهقات ، أغنية تبكي بين كلماتها وحروفها …
آهات ناي القصب !
ــ للربيع يدرج الشتاء في وداع السنونو ، وتحمل شقائق النعمان نعش المواويل الراعشة ، وتخرج الغابات من صمتها ..، وترقص الينابيع ، وتهرول الأنهار على جراح الرّمال الهاجعة ! .. وتنتفض المضارب ، ويجرح الليالي عواء الضواري الجائعة .. وللزرازير مراحات من الفرح المجروح ، وتستيقظ القصائد العائدة من أسر القوافي المرهقة ؟ !
المتخمين النافخين كروشهم على أطباق التّعساء المنفيين عن خط الإعتدالين الخريفي والربيعي ، والصّافعين بحقد تاريخي الوجوه المحروقة من شمس المعاناة !
في الخريف يتأبط أطفال المدارس حقائبهم ، وأرغفة خبزهم المرشوشة بالزيت والزعتر ، تغمر وجوههم بسمة الأمل ، وينهمر المطر الخريفي ، وتنجرح الأرض تتنهد الهضاب عن ــ فطر .. وكماةٍ وسلبين .. وقرص عنّة ..
ــ للصيف نشرع مضاربنا ، نولّم الولائم ، نرش النجوم مواويل عتاب ! .. ويركع القمر الحزين في محراب ثرياه ، محملاً بقوافل الحنطة والزيت والتين … وينضج العنقود ويفور التنور بالذكريات ، وــ قمطة أمي وتلويحة ــ كارتها ــ الحاملة الرغيف المرشوش بالسمسم والمعجون .. بالسّمن ، و ــ عقال والدي ــ الذي طرحته الأقدار ، وقطعته ظروف الزمان ! ..
لم يبق متسع للحب ، توهي أيتها الأحلام واحترقي في أعصابي ، ها هي نيران الولادة قد اندلعت لترسم في مدى الأفق .. نشيد أمن الوفاء ؟ !
خضر عكاري