«الدكتور جوزيف كلاس» طبيب وأديب وباحث.. نال وسام الاستحقاق الوطني

لقد كان د. جوزيف كلاس في ميتته التي صادفت في 14 أيلول 2011 وعن عمر ناهز التسعين مثل الشجرة عندما تموت واقفة منتصبة، إنه طبيب القلب البارع والكاتب المبدع لأندلسيات الزمن العربي المزدهر في إسبانيا هو ابن حماة وصديق الناس جميعاً على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم رحمة الله عليه، لقد درس الابتدائية والثانوية في مدينة حماة.
درس الدكتور جوزيف كلاس الطب في جامعة دمشق التي شهدت على نبوغه الفكري العلمي، إلا أن طموحه في اكتساب المعارف دفعه للسفر إلى فرنسا ليتابع تحصيله العلمي بعد تخرجه من كلية الطب عام 1949، وفي باريس اغترف من مناهل جامعتها فأدهش أساتذته بطموحه لينال الدبلوم عام /1953/، ثم ليتابع دراسته في مجال تخصصه في أمراض القلب، لينهي دراسته وينال الدكتوراه عام /1956/
ومن الطرافة أنه في أول عهده بمهنة الطب أرسل إليه مريض مصاب بطلقة نارية فلما فحصه وجد أن الرصاصة مستقرة في قلبه فكتب تقريراً إلى وزارة الدفاع التي كان يعمل فيها وقتذاك طبيباً عسكرياً حيث كان لشدة حبه لموطنه عاد إليه طبيباً مختصاً والتحق بالقوات المسلحة، وقد تميز أثناء خدمته بدماثة أخلاق قل مثيلها، ونظراً لما قدمه من خدمات ملموسة قلد مناصب مهمة بين عامي 1956-1991.
ونعود لتقريره عن المصاب فقد كان مؤلفاً من ثلاث كلمات، (رصاصة في القلب) وبهذه الجملة كان الصديق جوزيف كلاس يلخص حالة المريض مما يدل على إيجازه فلما قرأ رؤساؤه الجملة المختصرة ضحكوا وكتبوا إليه إن العبارة هي عنوان فيلم رصاصة في القلب تأليف توفيق الحكيم فابتسم وقال: ماكنت أعرف أنها عنوان فيلم أردت فقط أن أوجز فكان التعبير أدبياً، وأنا أديب قبل أن أكون طبيباً.
أمضى الدكتور جوزيف أكثر من خمسين سنة من حياته المديدة يعالج قلوباً مريضة سواء أكان ذلك في السلك العسكري الذي انتمى إليه طبيباً أم في عيادته التي أقامها في دمشق بعد أن انتقل إليها وأقام فيها وتزوج وأنجب وعندما تقاعد من مهنة الطب وكان قد بلغ الثمانين اتجه إلى حبه القديم للأدب فكتب الأندلسيات وكأنه كان يبكي في حروف كتابته ذلك الزمان الجميل الذي كان فيه العرب رسل حضارة وتقدم في الأندلس التي حكموها وأقاموا فيها حتى عام 1492 وللدكتور الأديب جوزيف كلاس عدد من الكتب التي تبحث في حضارة العرب في الأندلس وفي تقدمهم العلمي والحضاري.
الكتاب لأول: «القلب بين الطبيب والأديب».‏ والثاني: «أناشيد الفردوس المفقود».‏ والثالث: «أعلام الفكر الأندلسي».‏ وبالعودة الى كتبه وبقليل من الايجاز إنه كان قد أصدر قبل كتبه الثلاثة هذه كتاباً خاصاً بالطب، تحدث فيه عن تاريخ الطب بعنوان «سيرة الطب في الحضارات القديمة» ولعل الدكتور كلاس كان قد بدأ قبل انغماسه في الأندلسيات يقصد بإيجاد صلة بين الطبيب والأديب ولذا كان قد أصدر أول كتبه كما عنونه بـ: (القلب بين الطبيب والأديب) وقد أصدره عام 1997 في 190 صفحة.
لقد أعطى الدكتور جوزيف كلاس حياته للطب وعندما تقاعد تحول إلى الأدب فكان عطاؤه لا يقل عن عطائه في مهنة الطب وقد عاش أكثر من تسعين سنة لم ينفقها في اللهو والعبث وإنما كان الطبيب الإنساني المتمرس، ثم الأديب الذي ستبقى كتبه مرجعاً للباحثين في أندلسيات الزمن الجميل خاصة، وفي الأطباء الأدباء الذين ينجحون في المهنتين معاً، حسبه أنه ظل يكتب ويكتب إلى آخر دقيقة في حياته لقد برز الدكتور جوزيف كلاس محاضراً وباحثاً أكاديمياً في سورية وخارجها، وقد ترصع صدره بخمسة أوسمة استحقها عن جدارة في مسيرتهِ المتميزةِ في ميدانِ الطبِ والفكر، وكان مثال للإعلامي والطبيب والعسكري متقن لعمله. كان عميق الإيمان بالله عميق الفكر، عالم أديب، ترك لأسرته والوطن تراثاً حياً يشعر بنبضه كل قارئ له».
لم يكن «جوزيف كلاس» ذلك المواطن العادي، بل كان مواطناً استثنائياً بامتياز أحس بهموم وطنه فتفانى بحمل مسؤوليته تجاهه من خلال مواقع عدة، وقد ساعده تفانيه في عمله وحبه لمحيطه بالجمع بين حياته العسكرية من جهة وحياته المهنية والاجتماعية والأدبية، فكان متابعاً لكل جديد في تخصصه قريباً من حياة دمشق الإجتماعية والأدبية.ونظراً لإلمامه بلغات عدة استطاع أن يترجم ويسخر ما يقرأ في مجالات تخدم قضايا علمية واجتماعية وأدبية كان قد سخر نفسه لخدمتها.
لقد دفعته حصيلته العلمية والأدبية إلى كتابة البحوث العلمية والأدبية، فكان سفير بلاده في هذين المجالين العلم والأدب، وكان لجامعة باريس نصيب وافر من تلك البحوث المقدمة، إلا أن الحظوة كانت للمدينة التي عشقها دمشق، التي كان لها النصيب الأوفر من البحوث والندوات العلمية والأدبية.
ولقد خولته وفرة معارفه، لتمثيل بلاده سورية في مؤتمرات عدة، فانتدب ليكون محاضراً في كثير من دول أوروبا وأمريكا، نذكر منها: «ألمانيا، سويسرا، ايطاليا، انكلترا، الولايات الأمريكية المتحدة».
وتقديراً لجهوده وعطائه المستمر، استحق أن يقلد خمسة أوسمة كان آخرها وسام الاستحقاق السوري، ووسام الاستحقاق الوطني الفرنسي، ولذلك لجهوده في دعم العلاقات السورية الفرنسية وذلك عام 1977
وفي العام 1990 وقف في المكتبة الوطنية مضيفاً إلى ألقه العلمي مفردات جديدة ليحاضر حول «تاريخ النباتات الطبية في بلاد الشام»،وهنا يتجلى التنوع والإبداع، بما قدمه وفي نفس العام في محاضرته التي دار موضوعها حول» علم النبات العربي وعلماؤه» حيث افتتحت بها الندوة الدولية «تصنيع الأعشاب الطبية في سورية» التي نظمتها وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة الدولية وليعود عام 1992 إلى إضافة علمية جديدة من خلال محاضرته « القلب واللفافة الفاتنة» محاوراً اثنين من أطباء جيله هما الأستاذين الدكتور «راتب كحالة»، والدكتور «عبد الغني عرفة»..
ينتقل الدكتور كلاس عام 1993 إلى محور آخر من التنوع والتجديد من خلال محاضرة جديدة تحمل عنوان « القلب والحب القاتل» حيث يظهر براعته الأدبية من خلال استقائه مقومات موضوعه من التراث العربي والبحث العلمي الحديث.
ليتبعها بمحاضرة علمية تاريخية أخرى حملت عنوان «دور العرب في إحياء الحركة العلمية في أوروبا في القرون الوسطى».
محمد مخلص حمشو
مراجع من شخصيات عايشت د. كلاس ومنهم اقارب
مجلة المعرفة «28-9-2011 «
ومن الشابكة وحديث مع الأصدقاء

 

المزيد...
آخر الأخبار