من شرفة منزلنا سطوت على بساتين العاصي وأنا أمعن النظر على بساط أخضر يلون مدينتنا وفضاءنا الساحر , من شرفة منزلنا رأيت الناس يجتازون الشوارع وكأنهم أقزام أو دون ذلك ,من شرفة منزلنا رأيت أن السماء واطئة والغيوم تداعب الأزهار على الشرفات .
آه تذكرت …. ليس لمنزلنا شرفة لأمارس هذه الشوفونية البغيضة , منزلي بحي شعبي(وادي الحوارنة) ملاصق لمنازل جيراني البسطاء المتداخلة بشكل عشوائي يحمل النزق والطيبة ,منزلي في هذا الحي البائس المكتظ بالأولاد الذين يمارسون شقاوتهم ليلاً ونهاراً فقط ,جيراني يتشاجرون لأبسط الأمور ,ثم ينسون الشجار بعد لحظات قصيرة ,وكأن شيئاً لم يكن ,في ساعات المحن ينسون خلافاتهم البسيطة ويقدمون لك ما يقدمه الأخ لأخيه ,يسارعون لتقديم الواجب ,فتنسى شقاوة أبنائهم المستمرة .
ربما هناك مشاهد كثيرة تستفزني ,وبعد أن أنال بعضاً من الهدوء والسكينة أعذرهم بكل مالهم وما عليهم ,فشعبنا يحمل ما يحمل …..ولكنه يحمل من النبل والشهامة والطيبة ,قدراً قد لاتجده لدى شعوب تدعي التحضر .