عندما يجتاح وباء قاتل مدينة ما ,يصاب الجميع بالذعر قبل الموت ,وفي حمى هذا الوضع الكارثي , يسارع الجمع للهرب من شبح الموت المتربص بهم ,ولكن الفجيعة الكبرى بأن تغتال مدينة وهران العربية الجزائرية بقلم روائي عالمي يحمل فكراً من آثار الثورة الفرنسية التي أطاحت بالنظام الملكي ليحل مكانها النظام الجموري وريث الثورة الفرنسية .
أجواء من الرواية
قدم الروائي العالمي ألبير كامي روايته (الطاعون) لتسرد علينا وقائع في عام 1945في مدينة وهران(هل هي وقائع حقيقية أم متخيلة ) أثناء الاحتلال الفرنسي للقطر العربي الجزائري ,ويفصح منذ الصفحات الأولى عن أن هذه المدينة قبيحة المنظر (طبعاً لا اعلم أين القبح إذ فسره بطريقة ملتبسة) ولكنه يسارع للقول :نصور مدينه لا يوجد بها حمام ولا أشجار ولا حدائق…(طبعاً أشك في توصيفه هذا ) ومن المسؤول عن اندثار الحدائق والأشجار (لأن الجزائر كانت تحت نير الاحتلال الفرنسي )…؟ ولم يقل القبح هو نتاج المستعمر .
بداية الفصل الأول من الرواية , يغزو المدينة جيش من الفئران التي تحتضر ثم يتحول لوباء الطاعون ويتم محاصرة المدينة (لا من يخرج أو يدخل) ويبدأ بطل الرواية الدكتوربرنار ريو في صراعه مع هذا الطاعون القاتل ,من عزل المصابين إلى الحصول على المصل الذي يحصن سكان المدينة من هذا الطاعون المميت ,وعبر رحلة من الصراع مع هذا الوباء الذي تجاوز (ثلاث مائة صفحة ) ينتصر الإنسان على الطاعون ليعم الفرح والرقص ابتهاجاً بهذا الخلاص من فكي الموت المتربص بالجميع .
تكنيك الروائي
رواية تحمل من السرد المبسط البعيد عن التكلف والفقير في دلالاته وشاراته وحكمته ,رواية تنحو باتجاه أفقي واحد بعيدأ عن المفاجأة والدهشة ,سهلة القراءة من دون أن تحظى بمتعة القراءة ,شخصياته لا تحمل ثراء روحياً ونفسياً ,إلا نقاشه حول الشك والإيمان ,وربما هذا الجانب كان موفقاً به لأن الإنسان أمام سطوة الموت يجابه هذا التساؤل الصعب في اللحظة الأصعب ,لن أسترسل في قراءة نقدية لهذه الرواية لأنني لست بصدد هذا ,ولكن ما يعنيني هو …
تساؤل إنساني ..
أليس غريباً من روائي عالمي ينتمي لمجتمع ديمقراطي متحضر (كما يدعون) أن يتكلم عن مدينة عربية جزائرية من دون أن يقدم شخصية واحدة جزائرية (ولو ضيفة شرف) جميع شخصيات العمل كلها فرنسية وكأن هذه البلاد (أرض بلا شعب) وهذا جوهر الاستعمار الاستيطاني بدءاً من أمريكا وانتهاء بالكيان الصهيوني ,ويتم هذا بمشاركة من النخب المثقفة الفرنسية في دعم الآلة الحربية التي تعيث قتلاً وتدميراً بالشعب الجزائري,يسهب في وصف عذابات ومآسي سكان وهران(فقط الفرنسيين) والموت المتربص بهم بالطاعون وعلى بعد أميال تحدث مجازر بحق الشعب الجزائري بآلة الموت المرعبة الفرنسية ,إن هذا التغييب المتعمد يدل بوضوح وقح على أن جزءاً كبيراً من الكتاب والمفكرين كانوا جزءاً من آلة التنكيل بالشعب الجزائري المستعبد ,وعام 1945 أليس هو بداية حرب التحرير التي قام بها أبطال الاستقلال بالجزائر , وأرشيفنا يحوي صوراً مرعبة عن حرق وإبادة لقرى ومدن الجزائر ,ومنها صور نشرت حديثاً لمجازر مرعبة نفذت بوحشية تفوق الخيال قامت بها قوات الاحتلال الفرنسي بحق شعب لا ينشد سوى الحرية والكرامة والاستقلال .
خاتمة لا بد منها
لقد أدان المفكر والفيلسوف والكاتب جان بول سارتر الوجود الاستعماري الفرنسي في القطر العربي الجزائري ,وكنت أتمنى من ألبير كامي أن يكون إنساناً في إبداعه فلا يغيب شعباً كاملاً عن مشهد حدث على أرضه ,وأن يخرج من شرنقة الطاعون (كوباء) ويثير شكلاً آخر لطاعون السياسي والاستعماري كمأزق إنساني.
محمد أحمد خوجة