قيل: (إنّها الإصبع السّادسة الّذي يكتب به الشّعراء والرّوائيّون، فلا يكتمل أيّ عمل إبداعيّ من دونها).. وقيل أيضاً:) إنّها المخلوق الّذي يحترق من أجل الكاتب وحده لذا يصعب التّخلّي عنه لأنّه يصبح جزءاً من الكاتب ونصّه).
فهل عرفتم عن أيّة إصبع أتحدّث؟.
هي ليست إدماناً فحسب، بل هي طقس من طقوس استحضار الكلمات وجزء من مظهر بعض المثقّفين والكتاب.
نعم .. إنّها ( لفافة التّبغ).. العشيقة الشّرعيّة الوفيّة والملتزمة لبعض أشهر الكتّاب في العالم عبر التّاريخ، حتّى أنّها ترقى لمستوى (المسبب المباشر للحالة الإبداعيّة) وللموت أيضاً.
هذه الّلفافة لم تفارق فم كبار الكتّاب الّذين اعتبروا رموزاً لمدارس فكريّة بارزة كالفيلسوف الوجودي جان بول سارتر الّذي قال ( إنّ التّدخين هو غذاء الفلاسفة)، كذلك لم تفلت السّيجارة من بين شفتي الرّوائي ألبير كامو حتّى في الصّور الفوتوغرافيّة الّتي كانت تتصدّر أغلفة رواياته على الرّغم من أنّه كان مصاباً بالسّل.
إذاً هم كثر.. ولكن تستحضرني الآن شخصيّة سوريّة لا أستطيع تخيّلها إلّا برفقة إصبعها السّادسة.. نصحه أحد المناضلين قائلاً:(إنّك تكثر من التّدخين إلى درجة مقلقة، وما دمت تشكو من جهاز الهضم فإنّ دواءك الوحيد هو الإقلاع عن التّدخين) يقول الرّائع حنّا مينة: ( طبعاً شكرتُ الصّديق بابتسامة ماكرة وأضفت: أنا لا أستطيع ترك السّيجارة إلّا بشرط أن أتوقّف عن الكتابة)..
حاول الرّوائي السّوري العظيم حنّا مينة الإقلاع عن التّدخين مرّات عدّة فيقول مثبتاً ذلك: ( في إحداها حزمت أمري على الكتابة بغير سيجارة فإذا بخطّي يصبح ناعماً كخطّ آنسةٍ مدلّلة والكلمات كالفراشات تطير من حولي من دون أن أستطيع القبض عليها فأحسست كأنّي أجرّ عربة صعوداً والسّيجارة يدٌ مساعفة تدفع معي إلى الأمام أو أستشعر نفسي قطاراً يصعدُ جبلاً وأنّ مزيداً من الوقود وحده يساعده على الصّعود وأنّ السّيجارة هي الوقود السّحري الخاص وهي المعادلة الكيميائيّة الّتي أطلقت مراكب الفضاء).
هذه بعض غرائب وعجائب كبار المبدعين وأنت يا سيّدي القارئ أخبرنا.. ما الّذي أبدعته إصبعك السّادسة المميتة؟!
كنانة ونّوس