الحب ظاهرة إنسانية مركبة ومعقدة، ومن الصعب بل من المستحيل تقديم تعريف جامع مانع لها. فالحب ﻻ يعرف وإنما يعاش، ومن خلال المعاناة يدركه اﻹنسان (حسب ابن حزم في طوق الحمامة). وقد يكون من المفاجئ أن أقول إن العلاقة بين المحب والمحبوب تقوم على اﻷنانية والنرجسية والرغبة في اﻻستحواذ وحب الذات وليس على الغيرية والتضحية والعطاء كما يدعي كثيرون… وكل طرف في هذه العلاقة يحاول أن يمتلك اﻵخر، وأن يدمجه في ذاته، ﻻ أن يندمج معه في (كل) جديد (بالمعنى الجشطلتي لمصطلح /كل) ويصل هذا اﻻستحواذ إلى الدرجة التي يستطيع أن يقول فيها كل منهما للأخر : يا أنا (حسب الرسالة القشيرية)، أو أن يقول صادقا ( ياروحي ) حسب التعبير الشائع. من دون أن يظن أحد أني أهبط بعلاقة الحب بين الرجل والمرأة إلى العلاقة الجسدية المحضة، ﻷنني أعد علاقة الحب أرقى درجات العلاقات بين البشر، فالمحبوب في عين حبيبه يختصر الوجود كله، وما مفردات الوجود اﻷخرى إﻻ مجرد خلفية لهذه العلاقة، (بالمعنى ) الجشطلتي، مرة وبالمعنى المتداول في الرسم والتصوير مرة أخرى)، بل إن عشق المحب لمحبوبه يحاصره، ويمنعه من إقامة علاقات عابرة مع اﻵخرين، ﻷنه لن يجد المتعة ولا الغبطة أو الرضا عن الذات واﻷمان إﻻ مع حبيبه الذي اختاره شريكاً لحياته.
محمد راتب الحلاق