الشعور بألم ضـرس العـقل يدفعُـكَ لتناول حـبة مسكن أفكار، والذهـابِ إلى غـيبوبة لا تتمنى العودة منها . ألــمٌ، نُعاسٌ، تعـبٌ . قررتُ أن أحـبس أفكاري في قـارورة ، ورميها من الشباك خشيتُ أن تنفجـرَ بأحد المارة، فأعـدتُها ووضعـتُها في الثلاجة لتتحولَ إلى قطع ثلج غـير قـادرة أن توسوسَ في رأسي مــرة أخــرى . قـلـتُ أذهـبُ للنوم بحمولة وجـع قـليلة ، ما إن وضعـتُ رأسي على الوسادة حتى غـفـوتُ . رأيـتُ فيما رأيـتُ ، رأيـتُ في المنام : كـنـتُ أسـيـرُ في طريق طويلٍ ، وحوله سهولٌ فيهـا أشجارٌ ،قمح ،عسل ، غزلان استوقفني مشهـدُ قطيع من البقر (الفالوت) أي لا راعي له يذهـبُ للـرعي من تلقاء نفسه كلما عوتْ أمعاءه الغليظة التي لا تشبع. ثم يعود ، وهو يمشي ع الدقة ونص، وأحيانا يرفع صوت الأغاني التي يسمعها لاسيما أغنية : خضرا يا بلادي خضرا رزقك فوار .
كان البقر ذاك يعيثُ فساداً في السهول. يأكل القمح ، ويشرب السجائر الأجنبية المصدر رغم ارتفاع سعرها لكنه / فالوت / لن يؤثر عليه غلاء الأسعار، ويرفس ماتبقى من القمح يدوسها برجليه ،وكلما مر بقفير نحل يسلم عليه ويمد يده ليسحب العسل من فم النحلات الأم ،وهو يقهقه وأحيانا يسخر من الطيور التي غادرت أعشاشها لتؤمن قوت صغارها . يضرب ذاك القطيع على كـرشه الكبير بيده ويقول : هذا من فضل ربي . السهول تهرب منه ،وهو يلحق بها، وأحيانا يبقرها بقرونه فتتوقف عن الاخضرار خشية منه ومن شراهة طمعه . حقيقة راعني المشهد فكرتُ كيف أرمي حجراً بين ذاك القطيع، وأّخيفه، فيبتعد عن السهول ،وغلالها . بينما كنت أفكر في وسيلة أيقظني ألمُ ضرس العقل أخـذتُ حبةَ مسكن ،وعـدتُ إلى نومي . عـاد المنام ذاتُـه أنــا أسـيرُ في طريق طويلٍ لانهاية واضحة له ،ولا مرسال يطمـئن خطواتي ، والـمـثلُ يـقـول : إن كـنت طالع ع الجبل خــد معك حجـر . امـتـدّ الطريق، وتعـبتْ خطواتي لكني كنت مُصرةً على المتابعة لعلي أقطف ثمرة تين بما أن الموسمَ موسمَه، وبعد أيام سنراه ملك سوق الهال . ماكان يسليني ويبعد عني الملل في وحدتي تـلك على ذاك الطريق. رفُ أشجار كانت ترافقني في سيري ، ولا تتوانى عن الغناء لي فطلبت منها أن تغني: يـاراعي الـقصب مبحوح جاي ع بـالي شـروقي حين بدأت بالغناء ،ونحن نسير في ذاك الطريق، والسهول ممتدةٌ على مـدِّ الحب . عـدّتُ ،ورأيتُ قطيعَ بـقـر (الفالوت) يركض صوبنا شاهراً قرونه في وجوهنا … رحنا نركض أنا ورفُ الأشجار الوارفة، ونلتفت خلفنا خشية أن يلحقوا بنا ،ويمسكوا بنا فيكسروا ضلوع دربنا ، ويقطعوا ألسنة خيالاتنا . فجأة توقف ذاك القطيع عن ملاحقتنا حين لمح مهرجان لأحـد الفائزين بالمركز الأول في مسابقة ملك جمال كــروب / الفالوت/ فركض باتجاهه ،وهو. يصفق تـارة ويـدبك تارة ويغـني أغنيته المفضلة تارة اخرى . صحـوت وإذ مـا رأيتـه مـنام ، وضـرس العــقـل تـمَّ اقتلاعه مـن جــذوره.
نصره ابراهيم