تتمثل أهمية كتاب (علم الإناسة) في أن مسائل الإناسة تحتل مكانة هامة في جل العلوم من حيث كونها أتاحت التحرر من تمركز العلوم الإنسانية والاجتماعية وعلوم الثقافة والطبيعة حول ذاتها وانفتاحها على هذا العلم بعد أن كاد تمركزها يحولها إلى شتات علوم بدون أفق إنساني ويتحول معها الإنسان إلى مجرد شيء من أشياء الوجود ويتحول التاريخ الإنساني إلى مجرد قطائع وانكسارات فجائية لا يربط بعضها ببعض سوى الانفصالات وكأننا أمام شظايا تاريخ وشظايا إنسان وشظايا علوم وشظايا عالم . ويتمحور موضوع الكتاب كما جاء في تمهيد كاتبه “أنه دراسة لإناسة حديثة من زاويتين:
المسألة الأولى تتناول تحليل تكوينات الإنسان الطبيعية والثقافية وتأويلاتها الفلسفية ومعالجة المسألة الإيتيقية الدائرة حول شروط التعارف بين البشر وكيفية التخلص التدريجي من تمركزها حول الذات وانفتاحها على مشروع تواصلي مع الآخر الحضاري إنقاذاً للإنسانية من مخاطر عصر العولمة وما صاحبه من اعتداءات صارخة على كل القيم الإنسانية وتمزيقا لهوياتها.
أما المسالة الثانية فتتعلق بالمسألة المعرفية والوعي بشرط التعاون بين الاختصاصات بعد أن هلكت المعرفة الكلية في أتون التخصص بانفصال العلوم بعضها عن بعض وتحولها إلى قطاعات جهوية مغرقة في التخصص فالكلي المعرفي مثله مثل الكلي الإنساني قد سقط في هاوية الجزئي والتخصصي وإن الإناسة في ثوبها الجديد وفي نسختها الألمانية المرتكزة على آليات التحليل والفهم قد مكنت من تجاوز ضيق ومآزق الأطروحات العلموية من أديان ومعتقدات وذهنيات وحتى الحياة اليومية , منفتحة بذلك على كل ما كان يعتقد هامشي أو ما ظن أنه ينتمي إلى مرحلة طفولية من الوعي البشري حسب التقسيم الوضعي لتاريخ الفكر البشري منذ الفرنسي أوغست كونت.