في رابع لقاءاته…. نادي” حوارات أدبية” يناقش علاقة الشعر بالرسم

في لقاء مسائي جميل، تغلب فيه الشغف إلى متابعة الثقافة والأدب على الخوف من جائحة كورونا، مع مراعاة الإجراءات الصحية، حيث تابع صالون سلمية الثقافي أنشطته الدورية الأسبوعية، وحيث كنا مع اللقاء الدوري الرابع لنادي نادي”حوارات أدبية” وورقة هذا الأسبوع كانت بعنوان” علاقة الشعر بالرسم” قدمها الشاعر عدنان الخطيب وأدار الجلسة الشاعر أمين حربا مدير الصالون.

مهد الشاعر الخطيب ورقته الأدبية بتعريف الفن وقال بأنه إثراء لخصوبة الحياة، وهو الحوار المتناغم بين أنواع الدهشة التي تنبه وعينا وتنتشله من الخدر، وأضاف: هو حالة فلسفية مثيرة في رؤية الألوان التي تدعونا بقوتها إلى التأمل في جغرافيتها وإيقاعاتها المرئية.
كما عرف القصيدة بأنها دائما تفتح فضاء رحبا بالمفردات التي تنبثق فيها الصورة الشعرية، وكذلك اللوحة، فهي تهزنا بألوانها ومضامينها، فكل لون هو مفردة تصويرية مليئة بالأسرار والطقوس والمشاعر والرموز، إذا الالوان قصيدة شعرية غنائية.
الرسم والشعر برأي الخطيب تشع فيهما شموس الفكر وصرخات الإنسانية و الحب، ويسميه هنا انزياحا لغويا كما في أنشودة ” المطر” لبدر شاكر السياب:

” عيناك غابتا نخيل ساعة السحر
أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر
عيناك حينما تبتسمان تورق الكروم
وترقص الأقمار كما في نهر”
مثال آخر يستشهد به الشاعر عدنان الخطيب وهو من قصيدة لامرئ القيس، الذي يصور فيها الحزن والأرق والعذاب من خلال الليل والظلام فيقول”
” وليل كموج البحر أرخى سدوله
علي بأنواع الهموم ليبتلي”
فالشعر والرسم لغة تبوح بما نكتم في صمتنا فهما يتعانقان بلغة تصويرية تنبثق من قلب الفنان أو الشاعر.
وفي معرض ورقته تساءل الخطيب كيف نقرأ اللوحة التشكيلية شعريا؟ وأجاب: كنا نحول اللون أو اللوحة إلى فاعل لغوي مصور على الورق يروج الشعر وتصوراته، فهناك تجريد مشترك بين اللوحة والشعر، اللوحة قالب بصري والشعر قالب حسي إيقاعي تجريدي، لايعتمد على الشكل واللون كما في اللوحة.
الشعر هو حالة إبداع” الزمكان”في فضاءاته وتخيلاته في فضاء الزمن، أما اللوحة أو التشكيل فهما إبداع المكان وإبداع إحداثيات العنصر والموضوع في انتماءاته للمكان والفضاء.
يتابع.. عندما نقرأ القصيدة فإننا نتخيل الجمل والعبارات، أما في قراءة اللوحة فالمشهد مرسوم ومقدم لنا كاملا وعلينا فهم معناه فقط.
فعلاقة الشعر بالفن-حسب الشاعر الخطيب-ليست علاقة عابرة ولاسطحية، فهما مدخلان لعالم الجمال، فالقصيدة لوحة كلامية متعددة الألوان، واللوحة قصيدة تستنطق الألوان حسا شعريا.
والفنون عموما كالأواني المستطرقة، فكثيرا مايعطي الشعر اللوحة واللوحة تعطي الشعر أحيانا.
واختتم الخطيب ورقته الحوارية بذكر أنواع المدارس الفنية التشكيلية وهي( الكلاسيكية، الواقعية، الرومانسية، الوحشية، التكعيبية، التجريدية، السريالية، المستقبلية) وذكر المدارس الشعرية وهي( مدرسة الإحياء لمحمد سامي البارودي ومدرسة التجديد لمحمود العقاد و مدرسة الشعر الحر لنازك الملائكة).
بعد ذلك فتح باب الحوار والنقاش فقدم الصحفي نصار الجرف لمحة تاريخية عن العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي، اقتبسها من دراسة أدبية للدكتور ثائر زين الدين ونشرها في مجلة المعرفة وكانت بعنوان” الشعر يسترفد الفن التشكيلي”حيث ذكر الكاتب زين الدين بأن العلاقة بين هذين الفنين، أي الشعر والرسم، قديمة، وكان موضوعهما واحد وهو الإنسان، فصوراه وقصا أفعاله ووصفا مشاعره وأحاسيسه بوسائل مختلفة من أشكال وألوان وكلمات.
وتناول الباحث زين الدين بحثه بلمحة تاريخية عن تأثير الأساطير في الفن التشكيلي، كالأساطير الفرعونية والإغريقية والعهدين القديم والجديد، من حيث تأثر النحاتين بها، حيث نحتوا تماثيل للآلهة والفراعين واستشهد بقصيدة للشاعر المصري إمل دنقل عن الفراعنة.
وبعنوان فرعي” الشاعر فنان تشكيلي”والقول للباحث زين الدين بأن الشاعر يطمح الى التعامل مع قصيدته أو مع الورقة البيضاء، كما يتعامل الفنان مع لوحته أو مع قطعة القماش التي سيرسم عليها عمله الفني،وبعبارة أخرى يسعى الشاعر للتعامل مع القصيدة برؤيا الفنان التشكيلي وبفهمه لكيفية بناء العمل من استخدام اللون ومهارة في وضعه على السطح المستوي أمامه، لونا خاما أو معالجا أو ممزوجا، وهنا تتجلى أعلى مراتب التراسل بين الفن التشكيلي والشعر، أي عندما يتمكن الشعر من استرفاد وتوظيف مايستطيع من تقانات الفن التشكيلي وأساليبه وأدواته، وستجد من الشعراء من تمكن من تحقيق شيئ من هذا لأنه صاحب موهبة عالية وذائقة عالية من دون معرفة أكاديمية بالفن التشكيلي.
وقدمت الشاعرة ميساء سيفو مداخلة قالت فيها بأن الشعر رسم ناطق وأن الرسم شعر صامت، والعلاقة جدلية ومتكاملة بينهما، يتلاقيان بالإحساس، فكثير من اللوحات كتبت عنها قصائد وكثير من القصائد رسم فيها لوحات.
كما تحدث تركي فخور أيضا في مداخلة وقال بأن الشعر

هو وسيلة لإيصال جمالية معينة وكذلك الرسم، ولكن لكل منهما وسائله وأدواته التعبيرية الخاصة، الغرض منها إيصال الرسالة الى المتلقي.
الشاعر إياد زهرة قال: هناك فكرة بين السطور وبين النقاط، سواء بالقصيدة أو باللوحة يجب أن تظهر لتصل إلى الآخر.
الشاعر الدكتور باسل الشيخ ياسين، تحدث عن الروابط بين الشعر والرسم، وبأن الرسم ولد قبل الكتابة، لأن التعبير كان بداية صورا، ثم رمزيا، ثم مقطعيا، ثم جاءت الحرفية، واستشهد بقصيدة البحتري بوصفه للوحة الموجودة بديوان قصر كسرى وذكر بأن القصيدة لوحة كلامية متعددة الالوان.

سلمية – نصار الجرف

المزيد...
آخر الأخبار