إبداع منفرد .. !! للفنان الروائي بسام كوسا . رواية أكثر بكثير ..* *رامية الملوحي

*

 

 

 

 

 

الإبداع .. نور و معرفة .. و المبدع الحقيقي هو مرآة الكون لأنه يعبر عن قدرته بإحساسه بالواقع ، و بالأحداث ، فيخلق عالماً جديداً يعبر عن طموح الإنسان و ثقته بنفسه فالإبداع أسلوب حياة و أسلوب المبدع انعكاس نحو الانطلاق ، و نحو بناء الشخصية الإنسانية .

و الإبداع الذي بين أيدينا للفنان الكبير الروائي ( بسام كوسا ) رواية بعنوان :

( أكثر بكثير ) التي تقع في / 140 صفحة / من القطع المتوسط يضمها غلاف جميل برسم معبر عن أجواء الرواية و أذكر لكم بعضا من أحداثها ..

بطل الرواية شخصية اسمها ( مبروك ) اختارها الكاتب بسام كوسا و هي تعني المجتمع الذي نعيش فيه ..

ـ يقول مبروك .. هذا هو اسمي ( مبروك ) احفظوه جيداً قد ينفعكم في يوم ما ..

” وقف مبروك أمام المرآة .. حدق ملياً بالشخص الذي أمامه .. فرأى .. ثمة شخص يقابله .. إنه مبروك .. ”

كان مبروك فرحاً .. و ساخراً .. و حزيناً .. لكن حزنه لايدعو أحد للتعاطف معه .

باختصار .

” أنا كتلة بشرية شبه مترهلة تسير على الأرض بفظاظة هذه الكتلة هي

أنا مبروك . ”

تذكر مبروك صديقه الذي أحبه أثناء عمله في ورشة طرق النحاس ، كان ماهراً جداً في عمله . إلى ان أصبح أحد معلمي الكار كان اسمه ( إيليا ) و قد صارح مبروك بأنه ( يهودي ) الأصل لكنه دمشقي .. قال مبروك :

” كنت منهمكاً في طرق صحيفة النحاس بخشونة لأجل حنيها و تكويرها فاقترب مني دون أن يلفت انتباه أحد .. همس بضع كلمات في أذني .. شعرت حينها بقشعريرة محبة لا توصف .. ( كن حنوناً و أنت تطرق النحاس ) .

” قرأت كثيراً .. و تعلمت جدول الضرب و الرياضيات . أنا أحب القراءة إنها عشقي الوحيد . الذي أجد فيه نفسي . ”

في إحدى المرات ، عمل في مهنة أقرب ما تكون لمهنة حارس بناء مؤلف من عشرة طوابق . قال :

” ـ يجلس في غرفة الناطور و يأخذ مرتبه كل شهر ، لكن لم يكن يعلم أنه عمل يخص كل سكان البناء . قال أجمل لحظة أمضيتها عندما لا يكون لدي ّ أي عمل أنخرط في قراءة كتاب من الكتب التي أحضرتها ووضعتها في غرفة العمل . ”

كان يجلس مسترسلاً بالقراءة ينتظر غروب الشمس ليذهب لبيته الصغير فسمع نقرات ناعمة على زجاج النافذة الوحيدة . التفت مسرعاً ليقدم خدماته .. !! و إذ بوجه وقور بشوش خمسيني أنيق دون تكلف يبتسم له و يرفع يده يحيه .. لقد عرفه إنه الأستاذ عادل .. إنه لم يسبق له أن طلب منه أي خدمة ..

” قال له :

ـ أمرني أستاذ ..

ـ سلامتك .. لا أريد شيئاً . أحببت أن أسألك إن كنت تملك بعض الوقت .

ـ طبعاً .. طبعاً ..

أدعوك لفنجان قهوة ..

ـ تفضل .

دخل منزلاً أنيقاً . اعتذر الأستاذ عادل منه قليلاً و خرج من الصالون .. عاد يحمل صينية القهوة نهض كي يتناول منه صينية القهوة

” قال له بهدوء و لطف :

ـ استرح . . وضع أمامه فنجان القهوة و كأس الماء .. جلس إلى أريكة مجاورة .. ابتسم و حدثه قائلاً :

أراك في كل مرة تقرأ في كتاب أو مجلة فدفعني ذلك إلى الاستغراب و الاحترام معاً . قلت في نفسي لا بد أنك حصلت من التعليم و العلم على الشيء الكثير . أليس صحيحاً ..؟؟

و الله يا أستاذ لم أنهِ المرحلة الابتدائية لكني أحب القراءة .

ـ ممتاز .. و أردف ..

ـ ماذا تقرأ عادةً ..؟

ـ كل شيء .. روايات و دراسات .. تاريخ .. كل شيء

ـ المهم هذه المكتبة تحت تصرفك ، فإذا أحببت في أي وقت يمكنك استعارة الكتاب الذي تفضله . قم و انظر .. ما الذي تود استعارته .. هيا قم . ”

مشى ببطء إلى أن وصل رفوف المكتبة . و بدأ يقرأ أسماء الكتب و عناوينها .

نسي الزمن الذي قضاه أمام الكتب . سحب كتاباً من أعلى رفوف المكتبة و كان يحمل عنواناً غريباً ( الفراغ ) قرأ اسم المؤلف ( عادل السعيد ) .

وقف مكانه و لم يعد يتحرك التفت إليه فرآه جالساً ينظر بعيداً عنه . رفع الكتاب بيده ابتسم له : تمتم مبروك متسائلاً و أشار لكتاب .

أستاذ عادل .

” هزّ رأسه مؤكداً و قال له :

ـ هذا واحد من الكتب التي ألفتها . أنا أستاذ جامعي لذلك لابد لي من جمع الكتب عبر الوقت هل يمكنني استعارته :

ـ أفضل أن تختار كتاباً آخر فهذا كتاب متعب و قد لا يستهويك ..

ـ أريد أن أقرأه إن لم تمانع ، كما تحب ، إذا لم تستطع أن تكمله فيمكنك أن تستبدله بكتاب آخر ..”

في الصباح استيقظ و كأنه لم يغف لدقيقة واحدة . قرر أن يرتب هندامه و أن يذهب ليلتقي الأستاذ عادل ، كان الأستاذ عادل قد أعطاه رقم هاتفه ( الجوال ) قبل أن يترك العمل .

اتصل به .. و رحب ّ الأستاذ عادل ..

ـ تفضل . أحضر له القهوة .. و الماء .. و جلسا يتحدثان .. سأله :

 

هل قرأت كتابي …!!

ـ نعم .

ـ ما رأيك به ..؟ ”

كان مشتت الأفكار مرتبكاً فحاول مساعدته

حاول الأستاذ عادل أن يبسط له الأفكار لكن دون جدوى .. و كلامه و هو يوضح لمبروك ما يرمي إليه في كتابه

إن الينابيع الأولى التي ينهل منها الإنسان لينطلق إلى عالم المعرفة هي ينابيع اجتماعية ترتبط بالبيئة بالمقام الأول . حيث يتلقى الإنسان المعارف من ذويه .

و من أصدقائه ، و من معلميه ثم ينطلق من هذا العالم ليكون بداية صلة لأن العلم لا يقوم على الفراغ .

من هذا المنطق نشأت علاقة مبروك بالقراءة و المطالعة ، لتستمر رحلته في الحياة

كله إصرار على أن يكتب و يكتب .

تناول قلماً ووضع رأسه على الورقة و ضغط بقوة .. و كتب بأعلى الصفحة ..!!

( مئة عام من العزلة و أكثر .. أكثر بكثير .. )

المزيد...
آخر الأخبار