في قلب مدينة حماة، حيث يمتزج التاريخ بالحاضر، ترتفع نواعير حماة شامخة كرمزٍ للحضارة السورية التي استطاعت أن تطوّع الطبيعة لخدمة الإنسان. هذه النواعير، التي يعود تاريخها لآلاف السنين، لم تكن مجرد آلات خشبية تدور بصمت، بل كانت شريان الحياة الذي حمل الماء من نهر العاصي إلى بساتين المدينة، فأحيا الأرض وأطعم الأجيال.
تمثل نواعير حماة نموذجًا فريدًا للهندسة المائية، حيث تعتمد في دورانها على قوة تدفق مياه نهر العاصي دون أي مصدر طاقة آخر، في تجسيدٍ رائع لعبقرية الإنسان السوري منذ العصور القديمة. وتشير المصادر التاريخية إلى أن أصولها تعود إلى العصر الآرامي، ثم طُوِّرت في العهد الروماني والإسلامي، حتى باتت رمزًا فنيًا واقتصاديًا للمدينة.
لم تكن النواعير مجرد وسيلة لنقل المياه، بل تحولت إلى تحفة معمارية بديعة، تزين ضفاف العاصي وتضفي على المدينة طابعًا ساحرًا. صوت دورانها الرتيب، المتناغم مع هدير المياه، أصبح جزءًا من الذاكرة السمعية لسكان حماة وزوارها. وفي كل ليلة، عندما تنعكس أضواء المدينة على المياه، تتحول النواعير إلى لوحة فنية تنبض بالحياة
رغم التطورات التكنولوجية الحديثة، لا تزال نواعير حماة تحافظ على مكانتها كرمز تراثي وسياحي، حيث يقصدها الزوار من مختلف أنحاء العالم، ليشاهدوا هذا الإبداع الهندسي الذي صمد في وجه الزمن. واليوم، تبذل الجهود للحفاظ عليها وصيانتها باعتبارها إرثًا إنسانيًا عالميًا يستحق الحماية.
نواعير حماة.. إرثٌ يستحق التقدير
إن حماية نواعير حماة والحفاظ عليها واجب ثقافي وحضاري، فهي ليست مجرد عجلات خشبية تدور، بل هي ذاكرة المدينة، وحكاية أهلها، وشاهدٌ على قدرة الإنسان على التكيّف مع بيئته. وبين الماضي والحاضر، تظل النواعير تدور… تروي قصص الأجداد، وتنثر عبق التاريخ فوق مياه العاصي.
فهل نعي قيمة هذا الإرث، ونعمل على حمايته للأجيال القادمة؟
▪️طلال قنطار مشرف جريدة الفداء
#صحيفة_الفداء