الفداء_
في الثامن من كانون الأول عام 2024، استعادت سوريا حريتها، واستردّ شعبها كرامته، بفضل من الله أولًا، ثم بعزيمة السوريين الأحرار وقيادتهم الوطنية المخلصة، ومنذ ذلك اليوم، انطلقت مسيرة بناء دولة سورية الحديثة، القائمة على قيم المواطنة المتساوية والمجتمع الواحد.
وفي السابع عشر من أيار الجاري، وضمن خطوة جديدة تؤكد التزام القيادة السورية بمسار العدالة الانتقالية، صدر المرسوم رقم 20 لعام 2025 القاضي بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، كجهة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية.
وإذ تشرفت بتكليفي بموجب المرسوم برئاسة الهيئة، وتشكيل فريق العمل، ووضع النظام الداخلي، فإنني أُعلن أمامكم التزامي الكامل بالعمل الجاد والمثابر لتنفيذ هذا التكليف، تحقيقًا لتطلعات الشعب السوري بجميع مكوناته، وذلك عبر ما يلي:
1- كشف الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد
2- مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات بالتنسيق مع الجهات المعنية.
3- جبر الضرر الذي لحق بالضحايا.
4- ترسيخ مبادئ عدم التكرار، وتعزيز المصالحة الوطنية.
السيدات والسادة،
ستكون الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية صوتًا صادقًا للضحايا، تكشف حقيقة ما تعرّضوا له من انتهاكات خلال سنواتٍ من العنف والتصدي الدموي لتظاهرات سلمية رفعت الورود وطالبت بالإصلاح.
تحمل الهيئة اليوم أمانة كبيرة: مساءلة ومحاسبة المرتكبين للجرائم، وإنصاف الضحايا وذويهم، ومعالجة آثار الانتهاكات الممنهجة بطرق تُسهم في ترسيخ العدالة، ومنع تكرار ما حدث، وتأسيس مصالحة وطنية متينة، قائمة على سيادة القانون، وتعزيز ثقة السوريين بمنظومة العدالة، وصولًا إلى سلام دائم ونهضة وطنية شاملة.
نؤكد أن الهيئة ستعمل خلال المهلة المحددة بثلاثين يومًا لتشكيل فريق العمل من: ممثلين عن الضحايا، وخبراء قانونيين وحقوقيين، واختصاصيين في الأدلة الجنائية والبحث الجنائي، وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، كما سنستعين بمجلس استشاري يمثل الضحايا، يرافق عمل الهيئة في جميع مراحله، ووضع نظامها الداخلي
وستعتمد الهيئة خارطة طريق عملية واضحة المراحل، مبنية على أسس واقعية تراعي السياق السوري وخصوصيته، إلى جانب خطة وطنية للتوعية بمفهوم العدالة الانتقالية، ومنصة إلكترونية لتلقي الشكاوى، وآليات للتواصل مع المجتمع، كما ستصدر تقارير دورية ذات مصداقية توثّق ما تم إنجازه.
رغم ضخامة التحديات، فإن الدعم الذي تلقيناه من السيد رئيس الجمهورية، والحكومة السورية، وتأكيدهم على تقديم كل سبل التعاون الرسمي، إضافة إلى دعم الشعب ومنظمات المجتمع المدني، واللجان والمؤسسات الدولية ذات الصلة، يشكّل دافعًا قويًا لمواصلة هذه المهمة الوطنية.
أخيرًا، نؤكد أن العدالة في سوريا لن تكون انتقامية، بل قائمة على كشف الحقيقة، والمساءلة، والمحاسبة، ومنع الإفلات من العقاب، وترسيخ العدالة وسيادة القانون، وستكون هذه الهيئة منصة فاعلة لإنصاف الضحايا، وتكريمهم، وتخليد ذكراهم، وجبر الضرر، وصولًا إلى مصالحة وطنية شاملة، تحفظ كرامة السوريين جميعًا.