90 عاماً من الإبداع في حكاية قشّية لا تُنسى

الفداء_ بشرى العيزوقي:

من أعماق الريف الشرقي لمدينة سلمية، وتحديدًا من قرية بري الشرقي، تطلّ علينا حكاية استثنائية لامرأة تجاوزت التسعين عامًا، ما تزال يداها تنسجان من القشّ تراثًا يرفض الانقراض.

إنها خديجة رحمة، أو كما يعرفها الجميع بـ “أم حسن حسون”.
الحرفية السورية التي تحوّلت صناعتها اليدوية إلى رمز للأصالة والإصرار.


منذ طفولتها وعبر أجيال تناقلت هذه المهنة، ورثت أم حسن عشق ديارة أطباق القش عن والدتها، وواصلت الحكاية رغم قسوة الزمن وتبدّل الأحوال.

فبين جدران المنازل الطينية، وفي زوايا الأسواق الشعبية، ما زالت الأطباق والسلال القشية تروي قصة وطنٍ وامرأة.
تُعدّ صناعة القش واحدة من أقدم الحرف اليدوية في سوريا، وهي اليوم تقف على حافة النسيان.

 

لكن أم حسن، التي اتخذت من هذه المهنة مصدرًا للعيش، أبَت أن تتركها تتلاشى، فظلت تسوّق منتجاتها للمحال والأسواق المحلية وحتى خارج البلاد، لتظل تلك الأطباق تزيّن البيوت وتعبّر عن عمق التراث.
المادة الأساسية هي قَصَل القمح، تُجمع بعد موسم الحصاد حين تكون طرية ومرنة، ثم تُخزّن على شكل حزم.

وفي الشتاء، حيث يتوقف العمل الزراعي تبدأ رحلة الإبداع، تُنقع العيدان في الماء ليومين لتصبح مرنة، و يُصبغ بعضها بألوان مبهجة حسب الطلب، تُؤخذ حوالى 15 عودًا بطولٍ موحّد وتُلفّ بعودٍ آخر.
باستخدام أداة “المخرز”، يُوصل العود بالآخر ويبدأ التشكيل من دائرة صغيرة تتسع تدريجيًا لتُصبح طبقًا متكاملًا.

تغزل بأصابعها ذاكرة الريف السوري لتنتج القرطل والقشوية والطبق وغيرها من القطع التي تمزج بين الجمال والوظيفة.

في السنوات الأخيرة، لجأت بعض الحرفيات لاستخدام العيدان البلاستيكية، لسهولة الحصول عليها وتنوع ألوانها، لكن القمح يظل المادة الأكثر رمزية وارتباطًا بالهوية الزراعية السورية.

المزيد...
آخر الأخبار