الفداء – فيصل المحمد
النجاح لا يولد من فراغ، ولا يمنح صدفة، بل هو ثمرة جهد ومثابرة، وصبر طويل. وكم سمعنا عن أشخاص قهروا الصعاب حتى وصلوا إلى القمم، فمن قلب الألم يولد الأمل، ومن رحم المعاناة يصنع الأبطال.
من بين هؤلاء، تبرز الطالبة هبة جمعة نمرة، ابنة قرية تل سكين القعادة، بريف محردة، التي لم تمنعها إعاقتها البصرية من المضي في طريق التميز. كفيفة لا تقرأ ولا تكتب، لكنها أبدعت بسماعها، وحولت ضعفها إلى قوة، لتصل بخطاها الواثقة إلى مراتب عليا في العلم والمعرفة. تفوقت هبة منذ سنواتها الأولى في الدراسة، فكانت من الأوائل في مرحلة التعليم الأساسي، ثم تابعت تميزها في المرحلة الإعدادية، وحصدت المرتبة الأولى. ومع انتقالها إلى ثانوية الصفصافية، واصلت النجاح واختارت الفرع الأدبي، رغم براعتها في المواد العلمية، مراعاة لظروفها الصحية. هناك نالت المركز الأول على مدرستها، ثم على مستوى المحافظة، وعلى المنطقة الوسطى أيضاً. ولم تقف طموحاتها عند ذلك، بل التحقت بجامعة حمص – كلية التربية، اختصاص مناهج وطرائق تدريس، رغم أن مجموعها في الثانوية كان يؤهلها لدخول أرفع الفروع والكليات. تروي هبة تفاصيل رحلتها الشاقة قائلة: “كانت والدتي تلازمني وتقرأ لي دروسي طيلة مراحل دراستي. وبعدها حصلت على برنامج صوتي عبر معهد المكفوفين في حمص، أستخدمه على جهاز تاب، لكن الجهاز تعطل، وأصبحت بحاجة دائمة إلى مرافق، وهو ما شكّل عبئاً مادياً مضاعفاً على أسرتي، الأمر الذي أجبرني على التوقف مؤقتاً عن الدراسة”. لقد تحدت هبة إعاقتها لتصنع قصة نجاح مميزة، لكن الظروف المادية القاسية، وقفت في وجه حلمها. فهل تقدر هذه الظروف أن تطفئ نور إرادة أشرقت في قلب العتمة؟