كانت الأسرة فيما مضى متماسكة الأركان يعيش جميع أفرادها تحت سقف واحد، تسوده المودة والمحبة والرحمة ،أما اليوم فقد اصبح الوضع مختلفاً كلياً في معظم الأسر .
فالأسرة أصبحت أكثر تفككاً وتباعد أفرادها عن بعضهم ،فالأبناء نراهم يطالبون بالاستقلالية الكلية عن الأهل وينفصلون عنهم ،ولا مكان للاحترام، فإن انتقدهم الآباء يثورون عليهم ويخرجون عن طاعتهم ويخالفونهم في كل شيء، وأحياناً يصل الأمر إلى التطاول عليهم لفظيا .
وقد شهدت أسر كثيرة حالات من التفكك والانحلال الأخلاقي تجاه الأبوين نتيجة عدة أسباب كعدم وجود الحوار بين الطرفين منذ البداية وعدم الرضا بين الجيلين ونفور كل طرف من الآخر بسبب التباعد الفكري والثقافي وفارق السن بينهما ،وقد يصل إلى درجة التصادم والعداء بين الآباء والأبناء مما يهدد كيان الأسرة .
صراع فكري
وإذا تأملنا الواقع المجتمعي نرى اختلافاً في العلاقة القائمة بين جيل الكبار وجيل الشباب ،ويتمثل على هيئة صراع فكري بين الأفكار التي يحملها جيل الشباب كالدعوة إلى الحداثة وتجاوز الموروث، والانسلاخ عن التقاليد والأفكار السائدة، ومحاولة التفرد والانعزال عن العائلة والبحث عن حياة مستقلة .
الافتقار إلى الأمان
أميرة جمول مدرسة في إحدى مدارس البنات تقول :إن سبب هذا الشرخ يعود إلى افتقار الشباب إلى عامل الأمان والسعادة الأسرية، حيث إن الأسرة لم تعد تقوم بدورها التربوي بشكل أساسي بل أصبح جل همها الماديات وتوفير احتياجات الأسرة ،فاضطر الأب للعمل طيلة اليوم ،وأرغمت الأم على العمل خارج المنزل ،وأهمل الاثنان واجبهما في تربية الأبناء ومتابعة همومهم ومشكلاتهم والإصغاء لاحتياجاتهم النفسية ورغباتهم ،ففقد البيت السكينة والراحة وضاع الأبناء في هذه المتاهة .
بينما ترى اريج الحركي خريجة تربية أن الحياة كانت على بساطتها لاتستدعي الاستعانة بخبراء نفسيين أو اجتماعيين في حل مشكلات الآباء والأبناء، أما اليوم فقد تعقدت الحياة أكثر بظهور التكنولوجيا الحديثة وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث أصبح كل فرد منعزلاً في عالمه الخاص، ومنفصلاً عن أقرب الناس إليه ، وانقطعت صلاته مع الأسر الأخرى وعن أفراد أسرته أنفسهم ، وانعكست هذه الأمور على الحياة الطبيعية وكثرت المشكلات والشجار وازدادت نسب الانفصال والطلاق ، وأصبح الأب مشغولاً عن بيته وأولاده وأصبحت الأسرة بدون راع يرعى شؤونها .
أسباب أخرى
بعض الأشخاص يرى أن مهمة التربية أصبحت صعبة بسبب غياب تأثير الآباء والأمهات على أبنائهم تأثيراً مباشراً بقدر تأثير الأصدقاء والأنترنت، فالأم لم يعد لديها الوقت الكافي للجلوس والحديث مع ابنتها حول ما تعانيه من اضطرابات نفسية أو إحباطات في المدرسة سواء في التعليم أو بعلاقتها مع مدرسيها أو زميلاتها ،فتلجأ الفتاة إلى خوض تجاربها بنفسها واستقاء الحلول من مصادر قد تكون أقل أماناً وأكثر خطورة .
فالوالدان لا يجدان متسعاً من الوقت للاهتمام بفلذات أكبادهم بسبب مشاغل الحياة، ولا يميزون بين الضروريات والكماليات ،بل أصبحت الكماليات هي الضروريات.
ضاعت البوصلة
أحد الآباء قال: لقد فقدنا البوصلة ، ولم نعد نهتدي إلى الأساليب المثالية لتربية هذا الجيل ،رغم أن الصح واضح وكذلك الغلط ، ومع ذلك ثمة صعوبات كثيرة نعترف بأنها قد تغلبت علينا ،فالمغريات والثقافات الجديدة التي دخلت على المجتمع في السنوات الأخيرة غيرت كثيراً من المفاهيم والمبادئ ، ونحن اليوم نعيش حالة اضطراب وتخوف ونحن نشاهد سلوكيات أبنائنا ،ونجد أنفسنا بين نارين ، فمن جهة نرغب في البقاء على الحالة التقليدية للمفاهيم التربوية التي نشأنا عليها، وهنا يحصل الصدام بين جيلنا المتمسك بالأخلاق والعادات القديمة وبين جيلهم الذي أصبح يراها متخلفة ولا تماشي العصر، وهنا نقع في دائرة التناقضات.
أسس التربية كما يراها الاختصاصيون
كثيراً ما نسمع من المرشدين النفسيين مقولة إن التربية تبدأ منذ الصغر وضرورة اتباع مبدأ التوجيه في البداية ، وفي حال لم يحدث ذلك عندها تأتي مرحلة التأديب والعقاب واتباع الحزم التربوي ثم اتباع الرعاية العلمية من خلال المثل والنموذج العالي في المرحلة الثانوية والجامعة .
سراء العلي ،اختصاص ارشاد نفسي ترى أنه وبالرغم من جميع السلوكيات والمظاهر السلبية المتبعة من قبل الجيل الحالي إلا أنه من الضروري التصالح مع الأبناء والتوقف عن الانتقاد السلبي اللاذع والتجريح وعدم إقصائهم ومحاولة إحباطهم كي لا تتوتر العلاقة بينهم وبين آبائهم ،فالأبناء لاينشؤون بطريقة عفوية ،لذلك لابد من الجلوس والحوار معهم وتفهم احتياجاتهم وعواطفهم وأولوياتهم ،فهذا الجيل على استعداد للتفاهم والتحاور وليس القمع والتهميش والاستخفاف بفكرهم وتفكيرهم .
سلاف علي زهرة