نعتذر عندما نخطئ بحق من حولنا ، و إذا سألنا في بداية التفكير بالاعتذار ، ما موقفنا من الاعتذار من أنفسنا عندما نخطئ بحقها ؟ ليكون لدينا مقارنة صادقة نحو صوابية تقديم الأسف أو لا ، من ناحية أخرى نطرح سؤال هام : كيف نريد أن يعتذر منا الطرف الآخر ، و لا نتبنى الفكرة بما يخصنا ؟ لذلك نقدم مادتنا هذه لتشريح حالة مهمة في مجال أهم ، ألا و هو مهارة التواصل الاجتماعي .
حادثة
حدثني أحد مدرسي الرياضيات عن أستاذ دكتور في الجامعة ، ذا شخصية قوية ، بالإضافة لتخصصه بأبحاث معقدة في مادة صعبة بالأساس ، وأثناء محاضرة ضخمة على مدرج الجامعة ، و الدكتور مندمج جدا بالشرح ، حاول طالب مقاطعته ، فلم يستجب ، كرر الطالب محاولته ، فما كان من مدرسه إلا و نعته بكلمة جارحة أمام الجميع ، لكن الطالب كان يريد الإشارة إلى خطأ على السبورة ، و عندما تأكد أستاذه من صحة الإشارة ، توقف و اقترب منه و قال أمام الكل : اعتذر منك يا أخي ، فكان الاعتذار في مكانه ، و الأهم أنه كان بعدما نعته بسوء ، فساواه بنفسه .
رفض الاعتذار
يقول علي الحايك ، مختص بالتربية و علم النفس : يرفض البعض الاعتذار لأسباب عدة ، فأول الأسباب يعدونه ضعفا ، بعد ربط الخطأ بالضعف ، من خلال سؤال مطروح : هل ستظل نظرة الناس إلي كما هي أم ستتغير ؟ بذلك يلغي كل حيثيات الموقف و لا يرى ما يجب فعله إلا من زاوية ضيقة .
خوف و قلق
يبرر سامر فهد ، مهندس ، عدم الاعتذار بقوله : أغلبنا نخاف من العتاب و المواجهة مع من سنعتذر منه ، خاصة عندما يكون الشخص معتدا بشخصيته ، فيرى أن الاعتذار فيه انكسار و تذكير بلحظات الخطأ بحد ذاته ، إضافة لحالة القلق من عدم تقبل الطرف الآخر الاعتذار ، هنا تتعزز الأفكار التي ذكرناها ، بالخوف و اهتزاز الكيان العام للشخص .
اعتذار غير مباشر
عبادة كروم ، صيدلي ، يقول : الإحجام عموما عن الاعتذار ، يعود إلى مفاهيم خاطئة عن قيمته ، و خاصة في مجتمعنا ، فالكثير منا نعده قلة حيلة ، لذلك البعض يتجه للاعتذار بطريقة غير مباشرة ، كالمبادرة للتواصل بعد قطيعة ، أو عن طريق هدية صغيرة ، أو رسالة مضحكة لكسر حاجز الرتابة الذي فرضه الخطأ الواقع .
العاطفة
يكون سببا أساسيا في تنفيذ الاعتذار ، هو نمو الجانب العاطفي عند الطرف المعتذر ، هكذا قالت سوران معلا ، رسامة ، و أكملت : لا بد من التحلي بشجاعة ملوسة تدفعنا للاعتذار ، و من يتحلى بعاطفة واضحة ، ينتابه الشعور بالندم بسبب ما جرى ، فيسعى للاعتذار ليداوي الحالة القلقلة التي أصابته ، بالإضافة لوجود قيم التسامح في داخله ، و مراعاة الحالة النفسية للطرف الآخر .
تربية و ثقافة
يعود الحديث مع عبد الهادي ، و هنا يشير إلى نقطة هامة ، فيقول : ثقافة الاعتذار يجب أن تكون من بنيان الشخصية في سن باكرة ، لتكون ( مبادرة لإصلاح الخطأ ) في الحياة ، فمن لا يعتذر و يتمادى في أخطائه ، فأنه يقفد إنسانيته و احترامه لنفسه و محبة الآخرين ، و هي بداية الخروج عن طابع الإنسانية ، فالاعتذار هو اعتراف بالمسؤولية ، و تعزيز المبادرة للتواصل الاجتماعي الذي يعد بحد ذاته مهارة يجب التحلي بها .
المحرر
نرى الاعتذار منقصة ، و من يعتبره كذلك فليعيد النظر بشخصيته ، فنحن خطاؤون بالفطرة ، و أفضلنا من يحاول تصحيح تلك الأخطاء ، بنفس اللحظة يرى الكثيرون أن الاعتذار لا قيمة له ، و بالتالي يكون هو بنفس الصفة ، لأنه و بالعموم من يخطئ بحق الآخرين يقع عليه الإثم الاجتماعي ، و هو مطالب بتصحيح ما فعل .
شريف اليازجي