تركت الورق الذي أمامي ، وتركت قلمي ثم خرجت و فتحت باب منزلي كان الشارع يغوص بالعتمة حتى رأسه .. وكانت عيون الناس مثقلة بثبات عميق ، الليل مخيف ياعزيزي .. سمعت وقع أقدام كأنه الصدى البعيد راح يقترب مني لا .. لا أدري لماذا خيل إليّ أن أتكون القادم أنت ..؟
لكن لا .. فالمسافة حاقدة ، والزمن ليس زمن الشاعر الذي يأتي لحبيبته ملهوفاً مشتاقاً .
كان المفترض أن يكون القادم أنت ، وكان من المفترض أن أراعي نسيان مواعيدك أو أسخر من مشاعر ليست لهذا الزمن وأرتدي رداء يتناسب ورداء هذا العصر . أنا لا أرغب في ذلك ولا أقايض حزني ببرودة الصمت ، لكن الزمن يدور بأيامه وشهوره وسنينه ويسافر الوقت باليوم والساعة ويرحل اليوم بدقائقه وثوانيه بليله ونهاره وأبقى رغم الدوران والبعد محافظة على مكانك بحياتي لأنك أنت الزمن والذكرى والنسيان ، ويرحل الشتاء والصيف وكل الفصول وتبقى أنت كل حبي. عزيزي .. أرى العتمة ممتدة كبحر قهوتي . وليلاً ضم كل أحزاني إليه، وكل الهواجس عششت في قلبي وعقلي فأشعلت سيجارتي وبدأت أرنو إليها وأسأل نفسي:
ترى ماذا يبقى إذا ماتت أحاسيسي ..؟ ماتت مشاعري ..؟ كيف سأرى وجهك يطفو على العتمة .. وكيف سيرافقني طيفك أينما سرت .. وأسمع صوت ضحكتك في كل مكان مع أني متأكدة بأن المسافة جداً واسعة ..؟ كيف سأرى أني أجمل امرأة حين أرتدي الألوان التي تحبها ..؟ كيف سأميز صوتك .. وعطرك.. وقمصانك .. والمدينة مزدحمة بالآلاف .. لقد ابتعدت وقتلت لهفتي إليك ، وقبرت أحلامي وحطمت آمالي كيف سأنتظر هاتفك ثم أراك عبر الأسلاك وأنت تحدثني وأظن أنك تراني أيضاً .
ماذا يبقى من إنسانيتي ومشاعري إذا جردت من الشوق والحب والحنين إليك..؟
فأنا أحبك لأنك تختصر كل الرجال .. أنت وحدك وعلى الرغم من البعد والخراب الروحي والنفسي الذي بي وبقلبي تظل أنت .. أنت.. (رجلي الوحيد) الذي أحببته قبل وجود البشر في رحم الطبيعة .
رامية الملوحي