لايخفى على أحد أن للسفر فوائد جمة ؛فهو فرصة للترويح عن النفس وإزالة الإرهاق الجسدي والنفسي(الذهني والروحي) ، ويتيح للمسافر الاطلاع على بلاد فيستمتع بمعالمها السياحية ويتعرف إلى أنماط حياة تلك البلاد وعاداتهم وثقافاتهم .وشاع السفر في تاريخنا القديم بحثاً عن الماء والكلأ.
بيد أن شاعرنا الدكتور أسامة مجر صوّر مأساة السفر القسري، فذكر آلامه التي تطاق:
درب الضجر
فاه الحقيقة فغر
شتاء.ضباب..رمل..حجر!
ما أصعب أن تسقط في الحفر!
بطريق لا تدري به إلى أين السفر؟
أجل ،فهذا النزوح القسري يشكل أُم المآسي الإنسانية لأنه يقتلع المرء من جذوره التي تمتد منذ ولادته ، واجتثاث الجذور وتشتت الأحبة يقضيان على أواصر العلاقات الإنسانية التي تشكل أسسّ الحياة على نحو عام؛ لذا نرى النازح يتيه ويهيم على نفسه جراء الضياع المكاني والنفسي:
درب الضجر
يفتت قلب راحل
يصافح سقطة راجل
يبسط يده للمارين ..أهل العِبَر
يتناول خطاهم العاثرة
بأقلام الموت يرسمهم
بألوان الغياب ..يجّمل الصور
درب الضجر.
ويمضي شاعرنا قدماً فيرسم وعورة درب الضجر، الذي يغدو لازمة لهذه القصيدة لترسيخ مشقات النزوح القسري وآلامه القاسية:
درب الضجر
بين الضلوع برد..جرح
نزحت بأيدي يأس
بأقدام خيبة..نازح عثر.
مفردات البرد والجراح والزحف واليأس والخيبة والتعثر سيدة الموقف ، فالحياة لم تعد كما كانت ،والطيبة ذاتها تغيرت تغيراً جذرياً:
بالأمس كان الربيع ربيع
واليوم الربيع شتاء مريع
زحف .. قتل وجوع .. له انتظر
درب الضجر.
ويرسم شاعرنا المبدع تضاريس درب الآلام التي لاتعد ولاتحصى ، فيبوح بوحاً صادقاً ، لأنه يغرف من روحه التي شردتها مأساة النزوح:
درب الضجر
ننهل من خطاه عذاباً
ممرات بضيقها .. نلقى حراباً
منعطفات .. موت بها حضر
ويؤكد شاعرنا معاناة النازح التي تفاقمت إثر توغله في ذاك الدرب الشاق المضني:
درب الضجر
على ترابه عصرت دمائي النقية
غسلت أوحاله بدمعتي السخية
جفت عروق .. لم تهطل مطر
لكن إحساسه الوطني الصادق يجعله يتناسى ألامه الشخصية، فينظر في مأساة الوطن، حضنها الدافئ؛ لأنه بمنزلة الام التي ولدتنا و ربتنا:
درب الضجر
حكايات ضياع وطن
تقصها جدران بيت تداعى
رماد غابات في الدرب انتثر
حكايات مُرّة الرواية
تزرف آلاف الدمعات بلا غاية
تموت.. تنتحر خجلاً ، من خطر
ابن ينحر أمه
بمدية الغريب .. ياوطني،
والله – تلك لعنة.. أبشع ما إنسان غدر!
إذن فخيانة الوطن هي الطامة الكبرى وأم الشرور المأساوية والفجائعية!
غير أنه سرعان ما ينتفض ليخفف من آلام رفيقة حياته ودربه هذا ،فيواسيها بلسان جريح وقلب أضناه هول ماشهده بأم عينيه:
سلام لعينيك … رفيقتي
تحملين همي .. تحفظين غيبتي
تخففين ضجر دربي
ويتذكر مناجاتها له التي تهدف إلى تهدئته وتخفيف مصابه الجلل:
تقولين.. انظر حبيبي كم هو [الدرب] مختصر؟
فيثني عليها قائلاً:
سلام لابتسامتين شاحبتين
ليدين تشابكتا بدرب مستحيل
لدمعتين رقراقتين غام بها نظر
كم قلت لي : إن الخلود
يتبخر .. كحبات المطر..
وتنتهي مأساة النزوح ويعود شاعرنا إلى مدينته التي تفتح ذراعيها محتفلة بقدومه الذي طال انتظاره