يروي ظريف دمشق المحامي نجاة قصاب حسن وحظه من حب دمشق وأهلها وفي ثقافته الألمعية كنائب دمشق الوطني الظريف فخري البارودي “رحمها الله”…فقد روى أن صديقا له وكان من أبناء حارته قد عيُنِ سفيرا في باريس وفي خطاب معه يسأله عن البلد والحارة وشبابها واحوالهم , وكانوا كعادة زمن اول يجتمعون في بيت سهرة واحد, وكان معهم من أبناء الحارة رجل درويش الحال , كانوا يمازحونه دائما لظرافته . فهو سريع في ابتكار النكته بالحال عند كل جواب …وهنا طلب السفير من صديقه المحامي نجاة ان يرسل له ذاك الظريف درويش الحال الى باريس فهو مشتاق اليه وسيستضيفه شهرا كاملا في سياحة وتجوال ويتكفل بكل مصاريفه من استخراج جواز السفر فاجرة الطائرة بل وحتى مصروف عياله في غيابه وزد أيضا بالهدايا نهاية الزياره ..
طرح المحامي الفكرة على صاحبنا الظريف فوافق على الفور فأين لمن مثله ان يركب طائرة ؟ ثم سياحة وفي باريس بالذات والأهم انه لايتكفَّل من المصروف بفلس واحد من بداية رحلته حتى العودة منها؟
شاع الخبر واستخرجوا للرجل جواز سفر وقطعوا له تذكرة الطائرة واعطوه مصروف عياله في غيابه .. لكنه صبيحة يوم السفر , تأخر عن موعد الطائرة فجاءه المحامي نجاة يسأله ملهوفا بعد الحاح قرع شديد على باب الدار…
– خير أبا علي لماذا تأخرت عن موعد الطائره , كنت بانتظارك كي اودعك ..لقد فاتتك الطائرة
– أجابه ببرود شديد انا لن أسافر وخذ هذا جواز السفر , وهذا المبلغ مصروف العيال أيضا
– سأله المحامي مستغربا : أبو علي “منشان الله” مالذي طرأ ؟ هل انت مريض او احد من اهل بيتك ..؟ ماهو الطارى بالأمر..والمانع الشديد ؟ ….يارجل انها باريس ..والله لو صحَت لي ماتأخرت …بس شو المانع ؟
-رد أبو علي بكل برود : يا أستاذ : صح انا وافقت على السفر وكان العرض كويس ..بس غاب عن بالي ان وقت السفر سيصدف موسم نزول الباذنجان ..وهل من ابله او مجنون يترك الشام وقت نزول الباذنجان وطيب اكله ؟.. ثم رمى له جواز السفر وصرة نقود ودخل البيت وهو ولا ابالي… وهنا انتهى أستاذ نجاة من قصته…
وأمي رحمها الله أمرأه من ذلك الزمن الجميل , ذكرت مرة حين ركبت الطائرة في طريقها لمصر تزور اخي “رحمه الله” حين كان يدرس الطب هناك ..لما وزعَت المضيفة وجبات طعام الغداء على الركاب رفضت امي الوجبه واعادتها للمضيقة , وتجاوزتها تلك لكنها فوجئت بأمي تفرد صرة فيها من الخبز المشروح البيتي الطري ,وخضار من بندوره وبقدونس ونعنع وفليفله وليمون والأهم صحنا فيه باذنجان مقلي …استغربت المضيفة ومنعتها ..كيف ترفضين ياحاجَّة وجبة الطائرة ؟ لم ترد أمي بل لفًّت لها سندويشة صغيرة بعد ان عصرت عليها الليمون ورشت الملح ودعمتها بالخضرة ..وطلبت من المضيفة ان تذهب بالسندويشة لكابتن الطائرة فهو ابن صديقتها عرفت ذلك لما اعلنوا اسمه يرحب وطاقم الطائرة بالركاب
ابتسمت المضيفة وانصاعت للأمر وفوجئ كابتن الطائرة بذلك وسرًّ كثيرا وضحك . بل وقًدِم شخصيا لوالدتي يرحب بها وطلب سندويشه ثانيه ..وقال : يا حاجه ذكرتني بالمرحومة أمي وأكلاتها ..وماذا تأمرين أن اهديك من الطائرة وانا تحت امرك ..سألته امي بكل عفوية وبساطه وماذا عندكم ؟ رد : عطر ..دخان ..مشروبات ويسكي ..براندي وهو يبتسم ويضحك ..
– ردت “رحمها الله ” يالطيف “مابدي شي” الحَ الكابتن لابد ان تأخذي شيئا من الطائرة
– ردت إذا كان ولابد أعطني زوج من السكاكين والشوك الملاعق
ضحك الكابتن لكنهم من البلاستيك “وكان البلاستيك صرعه حديثه”
-ردت سأعطيهم لبنت ابني تفرح فيهم …بكل هذه البساطة “انتهت”
والباذنجان المقلي صنف من أصناف عديدة للطبخ من محاشي بمختلف اشكاله وغيره فالخضري في مناداته لبيع الباذنجان ينادي “باذنجان أبو العيال كيف ما درتو بيندار” , ومقلي الباذنجان يرقى ليكون اكله شعبيه شهية كالفول والفلافل والحمص ..ويباع في محلات الطعام او على البسطات بالشارع ..وتراه بكثرة في حلب قرب الأسواق الشعبيه مثل بائع العجة بالبيض او شوي اللحم والكبده…و..و..
دعينا مرة عند صديق على شرف دعوة لرجل مهم ذي منصب رفيع , وفوجئنا ان المدعو الضيف يشترط على مضيفه ان يكون الطعام فقط باذنجان مقلي وآلة سلطه واقسم عليه ان لا يزيد …فقد ملٌ اكل اللحومات والطعام شرقي وغربي و..و. .واقسم لكم أنه لما حضر الطعام والباذنجان المقلي وعند اول لقمة سالت دموعه وابكانا معه , ونحن نتذكر امهاتنا “رحمهن الله” ورحم موتاكم…
محمد مخلص حمشو