اشتياق

ركبت سيارتها وانطلقت في شوارع المدينة العريضة ..بدت المدينة بتنظيماتها البديعة ..الحدائق العامة..المحال التجارية..الأبنية الضخمة..الأسواق التجارية..الساحات ألعامه..التماثيل الرائعة الجمال التي تصافح أعين السابلة..أينما اتجهت ..وكيفما سرت..المتاحف وما تحويه من كنوز أثريه..وكرنفالات الأنوار المبهرة في الليل..واللافتات العريضة تغطي الجدران الصامتة فتجعلها سينما متعددة الصور بما تعرضه من دعايات..كل شيء يضج بالحركة ..بالحياة ..يعج بروائح الحضارة ..رتابة ..تنظيم ..كإشارات المرور..متعاونون كأعضاء فريق كرة قدم..فجأة وهي تحرك بإبرة الراديو ..يالله يصدح صوت قيروز تغني “وطني ياجبل الغيم الأزرق.. وطني… “
وكانت بحار ومحيطات تفصلها عن وطنها..آلاف الكيلومترات..رافق سحر صوت فيروز أن حمل قلبها الى حيث وطنها..الى سوريا ..الى دمشق..الى عطر الياسمين الفواح ..الى وجوه الناس المارة في الشوارع طيبة ..سماحة ..وكرم ..وحب للغريب ..أما هنا في المغترب فوجوه كأنها مومياء لكنها ناطقه..عيون حجريه ..قاسية القسمات..
تتحرك على الأرصفة جيئة وذهابا كأنها أمواج بحر زاخر..ازدحام..ازدحام..من وَقًع داسوه ومضوا..تكاد لا تري يدا تمتد إليه لتساعده .. نقلتها أجنحة الأثير الى الغوطه وزهر الربيع ..وشلالات الربوة..وسوق الحميديه والباعة ..وبائع السوس والتمر هندي بلباسه الفولكلوري ونقر طاساته الصفر بإيقاع تطرب له الأذن وترقص له قلوب المارة ..الى البز وريه وروائح توابل الشرق. تعج .والأموي ومآذنه تصدح بالآذان المميز الذي تخشع له القلوب ..ومقهى النوفرة وصبايا وشباب ينفثون الأركيله فتتصاعد سحب الدخان الى حيث سحر ليالي دمشق …وتتزاحم الذكريات وتتوالى الصور ..وتزدحم الدموع في مآقي عينيها فتسح على أسيل خديها ..إنها لم تعد تتبين الطريق ..فأخذت جانب اليمين ..وبكت ..وبكت حنيناً وشوقاً..ثم أخرجت الجوال ونقرت على أزراره ..وأتاها الصوت لينعش قلبها وينشر فيه السعادة والراحة والطمأنينة : ابنتي ..حبيبتي..كيفك؟..كيف البنات..اختنق صوتها شوقاً ..تحشرجت رناته في صدرها..لكنها ردت عليها أخيرا : أمي حبيبتي أنا والبنات بخير ..أحبك ..أحب سوريه ..أحبك يا دمشق..وسكتت فيروز عن الغناء وانتهت الأغنية ..وصفارة شرطي المرور تأمر بمتابعة السير ..وانطلقت في سيرها تنتظم ضمن ارتال السيارات كالنمل..لكنها كانت تقود بحواس الحركة من يدين وقدمين أما فلبها وعاطفتها فهناك بعيدا حيث أمها .أهلها وناسها ..أحبتها..حيث الانتماء..حيث الوطن..حيث سورية ..أجمل وطن..

المزيد...
آخر الأخبار