ما زلنا نقف باحترام وإكبار أمام سجلات أعلام مدينة أبي الفداء, وتطالعنا أسماء مؤلفاتهم وقد زينت مكتباتنا العربية ومراكزنا الثقافية ، ويقتضي المقام أن نتوقف عند أحد أعلام هذه المدينة التي أنجبت ومازالت الكثير من الكتاب والشعراء والباحثين والأدباء.
الأستاذ الأديب سهيل عثمان واحد من أعلام هذا البلد العظيم , اختزلت شخصيته في تكوينها عن الوداعة مايكفي لتجمع حولها كمّاً غير قليل من الأصدقاء ، ابتدأ مشواره مع الثقافة مستعيناً بالآخرين على ضعف بصره فكان يدفع المال على أجرة القراءة, وكان له صداقات في الأوساط الثقافية مثل الأستاذ العلامة عبد الرزاق الأصفر.. والأستاذ الأديب الراحل وليد قنباز وغيرهم.
أعماله:
بدأت مؤلفاته ترى النور في المكتبات العربية منذ أواخر الستينات من القرن الماضي بتوقيعين, وهذا ما اقتضته طبيعة ونفسية الأديب سهيل عثمان المحبة للتعاون العلمي من جهة, وما فرضته طبيعة ضعف بصره من جهة أخرى.. وتشدنا الرغبة الملحة أن نتوقف أمام أحد أعماله الأدبية ومؤلفه القيم (المحصول الفكري للمتنبي).. هذا الإبداع التراثي للأديب سهيل عثمان, ومنير الكنعان, صادر عن “ دار الإرشاد” ببيروت الطبعة الأولى عام /1969/ مؤلف من /340/ صفحة مبوب في خمسة أبواب وستة عشر فصلاً يتحدث بالتفصيل عن شخصية المتنبي كإنسان متكامل.
وفي الباب الخامس هو باب الجمال ص/285/ تحدث عن المرأة في حياة المتنبي وأثرها في شعره والتي كانت تبدو بشكل خاص في مطلع قصائده وقد أكثر في صباه من المطالع الغزلية على حين قلت نسبياً في رجولته وكهولته.. وهنا أقدم باختزال نماذج من غزل الشاعر أبي الطيب المتنبي وهو يصور الحسناء في ديوانه فهي مبسوطة الجسم ممتلئة ذات أرداف ثقيلة إلى جانب البشرة البيضاء وهذه قاعدة جمالية هامة عند الشاعر المتنبي.
وفي مطلع داليته الشهيرة التي يتحدث فيها عن نفسه في صباه يقدم لنا صورة مفصلة عن جمال المرأة كما يراها:
كم قتيل كما قتلت شهيد لبياض الطلى ووردالخدود
وعيون المها ولا كعيون فتكت بالمتيم المعمود
عمرك الله هل رأيت بدوراً طلعت في براقع وعقود
وفي هذا البحث عن المرأة عند المتنبي كان عرض خاص عن المرأة الجميلة وصورها في شعره وقد ثبت الضوء على الجمال الجسماني تاركاً الصفات النفسية للحبيبة.
وفي كتاب الأديب سهيل عثمان “المحصول الفكري للمتنبي” مررنا بشخصية المتنبي وبأخلاقه ونظرته للمرأة وعلاقته الخاصة بالحب, فلم نجد عنده مايوحي بحب عميق قائم على التمازج الروحي إلا حبه المحتمل “لخولة الحمدانية” وغزله النقي العفيف.
هذا ما بحثه الأديب سهيل عثمان في كتابه “المحصول الفكري للمتنبي” في باب الجمال.. كانت أغراض هذا الكتاب الذي قدمه أديبنا سهيل عثمان البحث في شخصية المتنبي كإنسان متكامل الاستعدادات والعوامل والأفعال, وهدفه تحليل أفكار شاعرنا وإجراء جرد عام لها.. ويمكننا القول إن الإلمام بشخصية المتنبي لايخلو من فائدة.
مع الشكر لـ : أ.رامية الملوحي
الأديب سهيل عثمان في سطور:
ـ ولد سهيل عثمان في مدينة حماة /1930/ ودرس في مدارسها, ثم تخرج عام /1954/ في قسم الدراسات الفلسفية في جامعة دمشق.
ـ بدأت مؤلفاته تظهر في المكتبات العربية منذ أواخر الستينات من القرن الماضي.
صدر له من الكتب :
ـ الطاقة العربية ـ بالتعاون مع أنور العقاد.
ـ المحصول الفكري للمتنبي بالتعاون مع منير كنعان.
ـ الاقتصاد والسياسة في مقدمة ابن خلدون بالتعاون مع أحمد درويش.
ـ معجم الأساطير اليونانية والرومانية بالاشتراك مع الأستاذ عبد الرزاق الأصفر.
– آخر شياطين الشعر – دراسة عن الدكتور وجيه البارودي – صدرت عن اتحاد الكتاب العرب في سورية.
ترك سهيل عثمان بعد رحيله العديد من المؤلفات المخطوطة, وقام اتحاد الكتاب العرب والمجمع اللغوي العربي بالقاهرة بنشر بعضها.
عاش سهيل عثمان في مدينة حماة فكان من أبرز وجوهها الاجتماعية والأدبية واتسم عطاؤه بجدية فعّالة في شهدها الثقافي ، رحل الأديب سهيل عثمان في الثامن من كانون الأول عام /1986/ لكن صوته الفياض بالحنان مازال يعلمنا الكثير.
دارسة و اعداد : رامية الملوحي