من مرافىء الذاكرة رسالة إلى مكتب عنبر ..

 

*حبيب الإبراهيم

في قريتنا (قصر ابن وردان)  ..القرية النائية والغافية على تخوم (الجفتليك) ،بدات حكايتنا قبل قرابة نصف قرن مع المطالعة والقراءة وحبّ الكتاب،  لم يكن لدينا في القرية  أية وسيلة تثقيفية معرفية سوى الكتاب المدرسي والراديو … لا كهرباء …لا مكتبات …لاصحف …
كان لدينا توق لا ينتهي  للقراءة، للمطالعة ،للإطلاع على كل جديد، لكن ما باليد حيلة ..
كنّا نستعير من المدرسة بعض المجلّات والقصص وهي قليلة جداً، لكنها شجعتنا على المطالعة والبحث عن مصادر جديدة للمعرفة.
ذات مرّة وقعت بين ايدينا قصة لليافعين والفتيان إصدار مكتب عنبر في دمشق، وعلى الغلاف الخارجي عناوين القصص التي تصدرها الدار وللحصول على إحداها يجب إرسال رسالة ضمن مغلف يحتوي على عنوان القصة المطلوبة وليرة ورقية واحدة قيمة القصة .
ثمّة امل بدأ يتسرب إلينا،  شعرنا بالسرور (إنفتحت طاقة الفرج)  لكن كيف سنرسل الرسالة إلى دمشق؟ !
اسئلة كثيرة ومتزاحمة راحت تراودني وشقيقي محمد والذي يكبرني بعامين، وبعد تفكير طويل توصلنا إلى طريقة مناسبة لإرسال الرسالة دون علم الوالد الذي كان يرسل أسبوعياً (سحارة) خشبية يضع بداخلها فاتورة بالاغراض التي يحتاجها الدكان مع النقود إلى حماة مع سيارة الشحن التي تنزل إلى حماة صباحاً وتعود بعد الظهر ،السيارة مخصصة لنقل كل شيء، الطابق العلوي للركاب. ومنتجات الأغنام من صوف والبان واجبان و…والطابق الاسفل للاغنام والخراف والدجاج و..
في حماة ينتظر صاحب الدكان الذي نتعامل معه قدوم السيارة ،ياخذ (السحارة ) ومعه مفتاحها ويطبّق الفاتورة المطلوبة.
إستطعنا الحصول على ظرف رسالة وضعنا فيه ليرة ورقيّة وعنوان القصة كتبنا عليه عنوان المرسل والعنوان المطلوب واسقطناه في (السحارة) دون علم الوالد، ثمة شعور كان ينتابنا بان هذه الرسالة لن تصل، لكننا خطونا الخطوة الاولى …ونسينا..
المفاجأة السعيدة والتي جعلت قلوبنا ترقص فرحاً عندما فتح الوالد السحارة بعد مضيّ قرابة الشهر ونحن نتحلّق حوله ونراقب محتوياتها، ليحمل والدي وباستغراب ظرفاً  ويسالنا عن هذه الرسالة التي تحتوي قصة جميلة ملونة.
كانت فرحتنا لا توصف ونحن نقلّب صفحاتها ونصارح الوالد بأننا نحن من أرسل الرسالة ، نظر إلينا بفرح ورغب إلينا عندما نفرغ من قراءتها وفهمها إرسال رسالة جديدة وقصة جديدة، وهكذا بدات علاقتنا تتجذر بالكتاب واصبح رفيقنا وجليسنا الذي لا نملّ صحبته …

المزيد...
آخر الأخبار