رحلة في الذاكرة والابداع مهتدي مصطفى غالب الشاعر المبدع….طفل في عامه المليون عاشق للقصيدة والمسرح والإنسان
•جينا يحيى
في سلمية مدينة الفكر والأدب،سلمية المحبة والنور التي أنجبت الماغوط وفايز خضور ولد الشاعر والأديب مهتدي غالب ابن الباحث الدكتور مصطفى غالب،وهو المهندس الزراعي في مجال عمله الحياتي والشاعر والأديب والمعد والمخرج المسرحي شارك في دورات مهرجان الشعر في سلمية،ومهرجان الخريف للقصة القصيرة فيها،وترجم قصصا للفتيان.
ومعه كان لنا وقفة تعرفنا معها على الشاعر المبدع مهتدي غالب وكان هذا اللقاء:
بدأت مسيرتك الشعرية بنص ” رقصة العصافير عام 1975 في مجلة ثقافة لمدحة عكاش و عملت في المسرح الجامعي في السبعينات من القرن الماضي أما الآن أنت مقل و إنتاجك الأدبي و المسرحي شحيح نوعا ما،حتى أنك أوقفت فرقتك المسرحية” جسور “عن النشاط … هل كانت بيئة الأدب و المسرح ملائمة للإبداع في تلك الآونة أكثر وهل تجد أنه مازال بإمكان العصافير أن تغرد و ترقص شعرا” و جمالا؟
– الحقيقة لم تبدأ مسيرتي الشعرية مع نص ( رقصة العصافير ) إنما قصيدة رقصة العصافير هي أول قصيدة نثر نشرتها عام 1975م ، أما بداياتي في كتابة الشعر فهي منذ عام 1968م بمحاولات نشرت منها قصيدة ( ترقب) و هي قصيدة من النمط المنظوم الذي بدأت كتابتي الشعرية به ، و خلال هذه الفترة أيضاً نشرت عدة خواطر و أولها ( ربيع بلادي ) و من ثم حواريات ذات طبيعة درامية متعددة و تطورت القصيدة عندي إلى أن وجدت ذاتي في قصيدة النثر، وإن قصيدة النثر بالنسبة لي هي الأقدر على التعبير عني وعن مشاعري و عن إنسانيتي و خصوصا بعد اطلاعي على أعمال رواد قصيدة النثر العربية ( سليمان عواد و اسماعيل عامود و محمد الماغوط و إنسي الحاج ) ، و تأثري بقراءات جبران خليل جبران و المنفلوطي و بداية تعرفي على الشطحات الصوفية و نصوص الحكم أصبحت أشعاري تنتمي لقصيدة النثر و بالنتيجة شكل القصيدة ( نظماً أو نثراً ) يولد معها .
– علاقتي بالمسرح ( بالدراما ) بدأت عشقاً للسينما منذ طفولتي … و بعد أن أحضر أي فيلم كنت أجمع رفاقي و أقراني في بيتنا الواسع و أوزع عليهم أدوارا” و نبدأ اللعب تمثيلاً في البيت …و إحدى ألعابنا استمرت ثلاثة أشهر و نحن نعاود تمثيلها طبعاً في أوقات محددة من اليوم …. إلى أن بدأنا في نهايات الستينات و السبعينات و بعد أن رأينا بعض العروض المسرحية في سلمية و في التلفزيون السوري نكتشف المسرح كمكان للعرض غير حديقة البيت ، فأنشأنا ما يشبه المسرح في صالون بيتنا كمكان أنا وصديقي الأديب القاص خضر الماغوط بالكتابة المسرحية و التدريب و من ثم دعوة أقراننا لنقدم لهم أعمالنا …. و سمينا فرقتنا باسم (مسرح الصالون ) و كانت أعمالنا مشاهد ناقدة قصيرة لظواهر اجتماعية شائعة ( كالبخل – التمارض – الكسل ) استمر عملنا فيه مسرحياً و قدمنا أعمالا مهمة مثل : ( شبيه الإنسان ) لفردريك دورنمارت و ( مجلس العدل) لتوفيق الحكيم …. و ( الشخص الآخر و المصيدة والرهان ) من تأليفي و عملنا كان محصورا في الصيف فقط ، و حين انتقالنا إلى الجامعة عملت مع فرقة المسرح الجامعي في حلب ممثلاً و مساعداً للمخرج و من ثم مؤلفا و مخرجا طبعاً و اتبعت أكثر من دورة في المسرح أهمها و أكثرها تأثيراً بي هي ( دورة في المسرح البريختي ) و من أهم الأعمال التي شاركت بها هي ( أوبرا القروش الثلاث لبريخت ) و عرضت في آذار عام 1978م على خشبة المركز الثقافي في حلب
– لست مقلاً لا بالعمل المسرحي ولا بالإنتاج الأدبي بالعكس أنا غزير الإنتاج فخلال هذا العام قدمنا عروضا مسرحية للأطفال ستة عروض إضافة لمشاركة في مهرجان في طرطوس بعملين، وللكبار قدمنا أربعة عروض على شكل لوحات مسرحية …أما في الكتابة الشعرية فلدي الكثير من الأوراق و الدفاتر و لدي دواوين جاهزة للنشر … لكن يمكن أن نقول إنني متكاسل في النشر و هذا هو الصحيح … فلدي أكثر من 20 نصا مسرحيا للأطفال جاهزة للنشر إضافة لما يقاربها للكبار لكن العمل المسرحي نصاً لا يكتمل إلا على الخشبة و أغلب أعمالي ولدت من خلال علاقتي بالمسرح و الممثلين و المجتمع ، فالمسرح هو مكان و زمان الحوار الحضاري بين المثقف و ثقافته و الإنسان المتلقي حوار حي يجعل الطرفين ينتجان معا الثقافة الضرورية للمجتمع
– الفرقة لم تتوقف رغم أن العمل المسرحي في هذه الظروف يحتاج لمؤسسات داعمة تؤمن مكان التدريب وأمكنة العروض …. إلخ …
هل كانت بيئة الأدب و المسرح ملائمة للإبداع في تلك الآونة أكثر و هل تجد أنه مازال بإمكان العصافير ان تغرد و ترقص شعرا و جمالا؟
أجل .. على مستوى الوطن العربي كان المسرح في أوجه في تلك الفترة لكنه بدأ يتراجع نتيجة تراجع الثقافة بشكل عام و المسرح هو التعبير الحقيقي عن ثقافة أي مجتمع …
– لا أعتقد أن أي شيء حتى لو كان عصراً جليدياً جديداً قادر على أن يمنع عصفوراً من أن يغرد وزهرة أن تتفتح و يتبادلان أنخاب الحب وقبلات الحياة ….
_ أنت تميل إلى الشعر النثري الرمزي و جمعت معظم أعمالك الشعرية في أربع مجموعات هي
هواجس الملك الضليل 1995 _ يوميات لك 2007 _ كم تبقى لنا ؟.2007 شظايا 2020 هل تعتقد أن المدرسة الرمزية بالشعر يمكن أن تؤثر بالمتلقي أكثر من غيرها؟
ما طبعته يشكل جزءا بسيطا جداً من تجربتي الشعرية و أتمنى أن تتاح لي الفرصة قريباً لطباعة أغلبها ، و هذه الأعمال تعبر عن مراحل زمانية و مكانية من حياتي …. أنا أكتب ذاتي فيما أكتبه من شعر و قصة و مسرح و حتى دراسات أدبية أو نقدية ، أنا أعبر عن ثقافتي و علاقتي بالآخر بكل شفافية و بساطة ووضوح و طفولية … هذه هي قصيدة النثر …. قصيدة النثر ظهرت لتعبر عن الإنسان كما هو و بلغته دون الدخول في الفزلكات اللغوية ، من هنا أنا لا ينتمي شعري إلا لي و للإنسان ….فأنا كما أعبر دائما عن نفسي (طفل في عامه المليون عاشق للقصيدة و المسرح و الإنسان… ) … و بتصوري أي إبداع فني يخلو من الرمز الشفاف الجميل يفقد الكثير من خاصيته الإبداعية … و يصبح ساذجا حدوده ضيقة جدا الإبداع حدوده لا نهائية .
– لكل مدرسة شعرية تأثيرها المهم رغبة الإنسان حين تكون لأجل الإنسان يكون تأثيرها على الإنسان كبيراً و رائعا و كلما تبتعد عن الإنسان تفشل حتى في الوصول إلى ذاتها أو كينونتها .
_ عرفت في الوسط الأدبي و الفني أنك شاعر و مخرج مسرحي و لكنك كتبت القصة القصيرة مثل / نهايات إنسان 1997 _ اختناق إنسان 2007 أنياب العصافير 2017 و كتبت بعض المسرحيات مثل مملكة الأطفال _ لعبة الأذكياء _ ينبوع الحكايا _ ابدا يموت الليل،والأبحاث والدراسات و كما ترجمت الشعر . لماذا توقفت عن هذه النشاطات و الأنماط الإبداعية؟
– الفكرة التي تدور في رأس الكاتب هي التي تفرض الصيغة الفنية لكتابتها … أحياناً أبدأ كتابة قصيدة و حين أقارب من نهايتها تكون قصة قصيرة بين القصة القصيرة و القصيدة بالنسبة لي أكثر من توأمة سيامية أكتب القصة بشاعريتي و أكتب القصيدة بحكائيتي …
– أما المسرح أرى أن من كتب نصوصا مسرحية و لا خبرة لديه في العمل المسرحي تكون نصوصه مجرد روايات حوارية بعيدة عن المسرح لكي تكتب نصا مسرحيا عليك أن تروي الخشبة بعرقك و دموعك كي تنبت الشخصيات من شرايينك و أوردتك و تعيد تكوينك مسرحية
_ شكلت فرقة الجسور المسرحية التي تعتبر بحق مدرسة فنية متكاملة فيها التمثيل و الموسيقا و الغناء و ساهمت برفد الحركة المسرحية بعدد من الفنانين لماذا توقفت و هل هو توقف مؤقت أم دائم و ما البديل؟
التوقف كان مؤقتا بسبب عدم توفر مكان للتدريب …. حاليا نتدرب في قاعة جمعية سلمية للمسنين و الأمور جيدة و أعمالنا قادمة ونأمل أن تنتظروا منا نقلة مسرحية نوعية رغم كل المعوقات و خصوصا المادية …. و وجود مجموعة جميلة من الشباب و كبار السن و الأطفال يعشقون المسرح يبعثون الحيوية بي و بجسدي كي أتابع …. أتعرفين أستاذتنا الراقية ..لماذا لا أكل و لا أمل من العمل …. لأنني شاعر و الشاعر يبقى حاملا شمعة الأمل و الحياة و الإنسان … و طالما هناك في جسدي عرق ينبض لن أتوقف فأنا عاشق للشعر و المسرح و الإنسان و الحياة …. أحبوا الحياة و الإنسان ..تهبكم روحها
_ هل هناك جديد يتم التحضير له سواء في الشعر أو المسرح او أشكال الإبداع الأخرى؟
بالتأكيد …. التحضير دائم لكل شيء جديد ..آمل ألا يتوقف قلبي إلا و أنا أحاول تقديم شيء لمجد الإنسان.
ونحن نتمنى لشاعرنا المتكامل استمرار إبداعاته التي نفتخر بها وبوجوده والنجاح والتألق لشعره وقصصه ومسرحه الذي جمع الشباب والأطفال والمسنين على المحبة.