استطلاع الفداء : التقاعد و الفراغ … متقاعدون : ملل وشعور بالغربة … مرشدة نفسية : لابد من تقديم الرعاية الاجتماعية والصحية لهم
يمضي الإنسان معظم حياته في العمل باحثاً عن رزقه حتى يعيش و أسرته حياة كريمة بعيدة عن الحاجة لأن الحاجة ذل كبير .
فالعمل هو جوهر الإنسان و الركن الأهم في بناء شخصيته و توازنها لما له من أهمية كبيرة في تحقيق العيش الكريم و حفظ كرامة الفرد و المكانة الاجتماعية المحترمة ، كما له دور كبير في صقل و تكوين شخصية مسؤولة صاحبة هدف واضح في الحياة .
ندخل غمار الحياة العملية بدافع رئيس و أول هو المادة كوننا أمام مسؤوليات معيشية جمة .
وبعد الانخراط في جو العمل و تكوين العلاقات الشخصية مع الزملاء و الأصدقاء تتحول هذه العلاقات إلى ما يشبه الجو الأسري ، يعيش خلاله الإنسان الكثير من تفاصيل الحياة و همومها و يتشارك فيها مع محيطه ، و يأخذ العمل معظم حياته و يصبح جزءاً منه ، و لكن و مع مرور الزمن يستعد هذا الإنسان للتقاعد ، حيث يصل إلى سن معينة تجبره على ترك العمل و هنا يحس بشعور غريب حيث سيبتعد عن مكان عمله و عن زملائه الذين أمضى معهم جلّ حياته ، و سيعيش فراغاً قاتلاً لأنه و عبر عشرات السنين اعتاد على نمط محدد من الحياة .
حول هذا الموضوع التينا عدداً من المتقاعدين و سألناهم عن المتغيرات التي حدثت معهم و عن حياة التقاعد :
محسن عساف من قرية براق _ مدرّس متقاعد _قال : أحسست بالغربة الحقيقية عندما تركت مجال عملي فأنا أمضي وقتي الآن عند بعض الجيران و المعارف و لم أستطع التفاهم معهم فكرياً حتى الآن ، فهم في وادٍ و أنا في وادٍ آخر ، أحس بالملل القاتل ولا أستطيع أن أعمل في أي مجال آخر ، قرأت بعض الكتب و كتبت الشعر ، و الآن أعمل في أرضي بالزراعة حيث يأخذ هذا العمل معظم وقتي .
مصطفى الدالي مدرّس متقاعد قال : في بداية التقاعد كان الوقت طويلاً و مملّاً ، و شعرت بالفراغ و الكآبة ، و بعد ذلك صار الوضع عادياً و التفتّ لقضاء حاجيات المنزل من هنا وهناك ، من المؤسسات إلى سوق الخضار ، و زيارة بعض الأصدقاء و لكن للعمل لذّته و حياته الخاصة .
أبو فجر _ شرطي متقاعد_
قال : كنت لا أحس بالوقت كيف يمضي و لكن الآن أشعر بملل رهيب و فراغ كبير ، ما اضطرني إلى إيجاد عمل آخر فالحياة صعبة و طريق المعيشة لا يرحم .
أبو كرم _ موظف متقاعد_ قال : العمل له بهجة خاصة و كان يأخذ كل وقتي و أمضيت عشرات السنين مع زملائي و لكن التقاعد لا بد منه و أعمل الآن بالتمديدات الصحية .
و حول موضوع التقاعد التقيت المرشدة النفسية الآنسة مريم العلي التي قالت : فترة هامة و حرجة و محزنة نوعاً ما ، فهناك بعض الأفراد لا يستطيعون زيارة مكان عملهم بعد ترك العمل و التقاعد لشعورهم بالحزن و الغربة و وجود بقية الزملاء على رأس عملهم .وقتهم طويل و ممل ، و فارغ من الطاقة ،
بالإضافة إلى قلة الأصدقاء كونهم أمضوا فترة طويلة في العمل بعيداً عن العلاقات الاجتماعية ، و بعضهم يشعر بعدم أهميته في المنزل و كأنه استقال من كل الحياة و ليس من عمله فقط .
و كذلك يصبح متقلب المزاج ، و تسيطر عليه مخاوف التقدم بالعمر . و آخرون يذهبون إلى المقاهي للتسلية والترفيه و إضاعة الوقت أو إلى النوادي للقاء بعض الأصدقاء القدامى ، و للدولة دور كبير في رعاية المتقاعدين من خلال تأمين النوادي و تقديم الضمان الصحي و الاجتماعي و النقابات التي تجمعهم مع أصدقائهم حتى يتم التأقلم مع الحالة الجديدة .
بدورنا نتمنى لهم الصحة و السعادة لأنها مرحلة حساسة جداً .
مجيب بصو