ـ عندما تتصفح سجل أدباؤنا و شعراؤنا في بلدنا الحبيب سورية و تحاورنا اوراقهم المضيئة فتتوقف عند شاعرةٍ متميزةٍ أنجبتها دمشق عام ( 1888 م ) .. الشاعرة الرائدة ( ماري العجمي ) .
ـ درست ماري العجمي في المدرسة الايرلندية في دمشق ثم التحقت بالمدرسة الروسية و بعد تخرجها من المدرستين في عام ( 1903 م ) اتجهت إلى دراسة التمريض عام ( 1905 م ) في الجامعة الأمريكية في بيروت لكنها لم تكمل دراستها في التمريض لتدهور صحتها فبدأت سيرها في سبيل تحرير المرأة و تحثها على التعليم .
ـ ماري العجمي الثائرة :
انهت ماري العجمي دراستها ..!! ماذا بإمكانها أن تفعل .. !! .. لو امتلكت مفاتيح الكون و دفة سفينته .. ! ؟ .. وماذا لو كان بإمكانها أن تقلب هذا الكون معنى و بنى ؟ .
أسألة تطرحها الشاعرة الثائرة العربية ماري العجمي على نفسها و تقول : ( الحب .. و ما هذا الحب .. الذي ينثر بذوره في فضاء الكون .. بينما الصراعات و الحروب تفتك بكل ما هو جميل ) .
كلمات مفعمة بالحب و اليأس لشعبها المُحتل من قبل العثمانيين و الذي ذاق منه الويلات .. لتهدي أبناء أمتها أحلى الكلام .
ـ الشاعرة أحبت بلدها دمشق فكتبت لها قصيدة و أختار من حدائق الشاعرة هذه الأبيات :
دمشق إن غبت عن ناظري
فرسمك في حسنه الزاهرِ
مقيم على الدهر في خاطري
إذا فتح الورد في روضتكِ
و غنى الهزار في على دوحتكِ
……………..
ـ ماري العجمي الثائرة ضد المستعمر :
عند اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام ( 1914 م ) ضيقت السلطات العثمانية على الصحف و المجلات فأغلقت الكثير منها و كانت مجلة العروس من بينها كما اعتقلت الكتاب أيضاً ومن بينهم الصحفي اليوناني ( بيترو باولي ) مراسل مجلة العروس و خطيب ماري العجمي .
ـ استطاعت ماري العجمي بجرأتها و شجاعتها أن تدخل سجن القلعة بدمشق و أن تساعد المعتقلين و تنقل رسائلهم إلى أهليهم . و حاولت أن تدافع عن المعتقلين فما من مجيب لذلك .
ـ دفعت ماري العجمي حراس مكتب جمال باشا و هي تهوي على رؤوسهم بعكازتها . ثم تطرق بابه و تفتحه .. تفاجأ جمال باشا بدخولها إلى مكتبه .. وقفت أمامه و طلبت منه الصفح عن المعتقلين و فاوضته على تشكيل لجنة للدفاع عن حقوقهم قبل إعدامهم في ( 6 أيار 1916 م ) .
ـ سيطر الإنكليز و الفرنسيين على معظم البلاد العربية فتابعت مسيرتها في النضال ضد الإستعمار الفرنسي و دعت للثورة عليهم .. حاولوا إرضائها و رشوتها .. فكتبت للجماهير تحثهم على الثورة :
كان البلبل في أيكته
يتغنى بالقوافي العامرة
فرمى الكأس و ألقى نايه
و مضى للحرب نفساً ثائرة
……………
ـ أعمال ماري العجمي ( مجلة العروس ) :
في مجتمع يرفض خروج المرأة إلى مسالك يعدها من المحظورات جابهته ماري العجمي بتأسيس مجلة العروس عام ( 1910 م ) و التي كانت أول مجلة في المنطقة العربية .
تدعو مجلة العروس الى التحرر و تختص بقضايا المجتمع و المرأة .
ـ عملت ماري العجمي رئيسة تحريرها و مديرتها ، كما وظفت عددا من الفتيات السوريات المتعلمات في هيئة تحريرها و قد كتب معظمهن بأسماء مستعارة خوفاً من نقمة المجتمع ، كما كتب في مجلة العروس نخبة من رجال الفكر في تلك الفترة مثل : ( جبران خليل جبران ـ ميخائيل نعيمة ـ و جميل صدقي ـ أحمد شوقي ـ و معروف الرصافي ـ حافظ إبراهيم ـ الأخطل الصغير ) و غيرهم من الشعراء و الأدباء.
_ كان الأدباء يعانون في تلك الحقبة من وسط اجتماعي يسوده التخلف و الجهل لذا صاغت قصيدة تحكي حياة الأديب و فكرية :
إن صفت خمرٌ بأقداح الهوى
مال يجلوها بأبكار البيان
أو هفا صبٌّ لمعسول اللمى
راح يشكو مثله جور الحسان
إن تقولوا ما به من لوعة
ليس ما فيه التياعٌ بل حنان كلّ قلب في البرايا قلبه فارحموه إنّه قلب الزمان
………………..
_أغلقت السلطات العثمانية مجلة العروس عام ( 1914 م ) ثم استعادت صدورها عام ( ١٩١٨ م ) ثم أغلقها الفرنسيون نهائياً عام ( ١٩٢٦ م ) .
وبعدها انصرفت ماري العجمي إلى التدريس في أكثر الدول العربية وفي عام ( 1940 م ) رحلت إلى العراق للتعليم فيه وكان من بين تلميذاتها الشاعرة نازك الملائكة .
بقيت في العراق فترة قصيرة ثم عادت إلى دمشق حتى بدأ المرض يتثاقل عليها فانزوت الشاعرة المناضلة في بيتها لا يزورها أحد حتى فارقت الحياة .
الجمعيات و الروابط التي أسستها :
أنشأت ماري العجمي مع نازك العابد مدرسة بنات الشهداء ١٩٢٠ م للاهتمام ببناتهم ومعها فاطمة مردم بك و سلوى الغزي _ كما أسست جمعية المرأة الشامية ثم جمعية نور الفيحاء و ناديها .
الروابط :
انتخبت ( ماري العجمي ) عضواً في لجنة النقد الأدبي في جمعية الرابطة الأدبية عام ( 1921 م ) كما أسست أول رابطة ثقافية بدمشق في نفس العام عرفت باسم الرابطة الأدبية و التي كان أعضائها خليل مردم بك و فخري البارودي . و شفيق جبري و غيرهم .
استمرت الجمعية ثلاث سنوات ثم أغلقها الفرنسيون فحولت بيتها إلى منتدى يجتمع فيه المثقفون يتناقشون و يتحاورون في قضايا المجتمع .
_ ما كتبته ماري العجمي من شعر ونثر :
تشتت أثرماري العجمي النثريّ و الشعريّ و تبقى منه القليل و بعض الترجمات أما الأشعار التي جمعت في ديوان لها فجاءت كلاسيكية إتباعية لكنه في ذلك الزمن والحالة الاجتماعية السائدة يعد نقطة بناءٍ للشعر الأنثوي تنفرد به و فيه الكثير من اللمسات الإبداعية و متنوع و متشعب المقاصد .. و أيضاً يدور حول ذاتها :
دفعْتُ بشعري باب الخلود
وحطمت مزلاجه ساهيه
فألفيتني بين حور الجنان
يقبّلن جبهتي العالية
أنا الشعر تشدو به لهفة
فتطرب في الظلمة الداجية
أغني لتصغي وحوش الفلاة
وتأنس بالرقة الطامية
………………………..
ـ مؤلفات ماري العجمي :
ـ الإنتاج الشعري :
ـ مجموعة مختارة . و بعض آثارها الشعرية تقديم عفيفة صعب ـ إصدار وزارة الثقافة و الإرشاد القومي ـ دمشق ( 1969 م ) .
ـ الأعمال الأخرى : تعريب الرواية بعنوان المجدلية الحسناء ـ مطبعة قسطنطين حمص .
ـ تعريب رواية أمجد الغايات للكتاب ـ باسيل
كتبت ( ماري العجمي ) العديد من المقالات و الكتب و الترجمات و أصدرت الرابطة الثقافية النسائية في دمشق منتصف القرن الماضي ديوان ( ماري العجمي ) – مختارات من الشعر و النثر ، و الذي نقش على غلافه الخلفي بيتان من الشعر للزعيم السوري ( فارس الخوري ) :
يا أهيل العبقرية سجلوا هذي الشهادة
إن ماري العجميّة هي ميّ و زيادة
………………….
الجوائز التي فازت بها ماري :
_ فازت ماري العجمي بالجائزة الأولى في مسابقة ( درس الكتاب المقدس ) الإيرلندي عام ( 1904 م ) .
_ فازت بقصيدة الفَلاحْ بالجائزة الأولى في مسابقة إذاعة لندن ( 1946 م ) .
نهاية مسيرة ماري العجمي :
_ انتهت مسيرة الشاعرة الثائرة تاركةً آثارها الأدبية و الثقافية على رفوف مكتباتنا الثقافية العربية .
_ فارقتنا الشاعرة المناضلة جسداً لا روحاً في 25 / 12 / 1965 م . ودفنت في دمشق . كانت ماري العجمي مَعيناً لا ينضب من العطاء و الإبداع الثقافي و الإجتماعي .
إعداد : رامية الملوحي