حارس الغياب كتبت شاعرة العاصي مروة حلاوة:
في الظلمة حيث الوقت مسجّى في برزخه..ليس يمرّ ولا يتوقّف.. حيث الأُوجه تسّاقط كالصفحاتِ المرقومةِ.. من كرّاساتِ الأولادِ الدرسيّةِ.. في فصلٍ ضاعَ من العمرِ..وظِلُّ الطاغوتِ يحومُ ويبتلعُ الأسماءَ من الجدرانِ.. الجدرانُ دفاترُ من سكنوا الظلماتِ.. سجلّاتُ الأصواتِ العاثرةِ.. لمن مرّوا من عينِ الكاميرا باستسلامٍ كالغرقى في لُجَّةِ بحرٍ.. وأنا ألتقطُ الصورةَ.. تتوسلُ للدمعةِ أن تمنحَها شاهدةً في ذاكرةِ الإنسانيّة.. كي لا تُقتلَ في النورِ كما في العتمةِ.. أطوي في جوربيَ الأسودِ.. أشلاءَ الوطنِ النازفِ.. وأُهَرِّبُ أوجاعَ المقهورينَ بربطةِ خبزٍتختصرُ طريقَ القمحِ ..إلى الطاحونِ الدائرةِ على ضفّةِ نهرٍ يَعصي الجهةَ المرسومَةَ.. تَصبُغُهُ الحمرةُ من ثغرِ الهِرملِ.. ينسابُ على َنحرِ حماةَ وحتّى خاصرةِ البحرِ المطعونةِ بالسيف الأحمرِ..؟وأنا أمشي جنديّاً في الضوءِ.. وشاهدَ مبكى في الظلماتِ.. أقلّبُ في الأرقامِ المنسيّةِ.. وجهَ حقيقتِنا في كفّي جمراً أخشى أن يحرقَني لكنّي أخشى أكثرَ أن ينطفئ.. فتنطفئَ الشمسُ..وترتطمَ الأجرامُ العمياءُ وترجمَنافتهشّمُ ألواحَ الطينِ الرطبةِ في ظلّ الجلّادِ.. ونهوي أصفاراًيُسقطها أسفلَ أبواطِ عساكره لكنّي أحمل أوراقي الممهورةَ بالجوع وشتّى الأمراض.. أغادر خارطة الرعبِ لدقّ مسامير النعش الأبديّ..،أدسّ اسمي تحت العُلّيقةِ دون المعبرِ.. أمشي.. يمشون ورائي صوراً تتنفّسُ.. والصمتُ يترجمُ غصّتها: يا حاديْ الضوءِ ارفعنا من ملكوتِ الظلمةِ.. أرجعنا شجناً في قصبِ النهرِ..لينتفضَ المزمارُ على ثغرِ المنشد وسطَ المرجةِ.. تخرجُ أطيافُ الموتى من بينِ الأنقاضِ.. وتنفضُ عنها أدرانَ براميلِ النارِ.. ويستنشقُ أطفالُ الفوسفورِ الأبيضِ رائحةَ الوردِ الشاميّ.. يقومُ الغرقى من مرقدهم في السفنِ المثقوبةِ في قاعِ البحرِ.. وينتصبُ الشجرُ المقطوعُ.. ويَنسلُ حبلَ الخيمةِ من أكّوامِ الثلجِ الرابضة على بابِ النازحةِ الثكلى تنتظرُ الأقدامَ الحافيةَ.. تُجَمِّدُ فيها ما يتبقّى من ماءٍ في وجهِ العالمِ.. يصطفونَ مع الأشهادِ.. تضيقُ الأرضُ وتتّسعُ الدمعةُ.. يلتفُّ الحبلُ على عنقِ الجلّادِ.. فأمشي دونَ نداءِ الأرقامِأُخلّصُ روحي من ثِقَلِ النظراتِوعيني من همزِ الكاميرا أنزعُ سترتيَ الزرقاءَوأخلعُ عنّي “قيصرَ”.. أمشي دونَ ظلالٍ تحتَ الثلجِ الباسمِ في باريسَ.. أصادرُ من عتمتها كهفاً يؤوي عينيّ أخيراًمن سهرٍ طال مع الأوجهِ والكاميراتِ.. أضمّ دمشقَ إلى صدري وننام.
المزيد...