نعترف بأهمية العناية بذوي الاحتياجات الخاصة , وضرورة توفير احتياجات معينة ومحدودة تساعدهم بإكمال حياتهم ودمجهم بالمجتمع , بعد أن غاب عن ساحة إدراكنا الكم الهائل لعواطفهم الجياشة وحاجتهم الخاصة لتكوين أسرة , وحقهم في أن يحبوا ,ويكون لديهم شريك قريب في كل الأوقات ,يتابع معهم حياتهم باعتباره رفيقاً لهم ,خاصة إذا علمنا أن ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون شريحة واسعة من أي مجتمع ,لا يمكن تجاهلها بتاتاً ، لذلك نظمنا مادتنا هذه مع الاحتفاظ بالأسماء الصريحة بناء على طلب أغلبيتهم و احتراما لمشاعرهم .
من حقوقهم و المجتمع لا يرحم
( ف . ع ) تغلبت على ظروفها الخاصة ,وحققت ما لم تقدر أن تحققه بنات جيلها ,أنهت دراسة الجغرافيا , ولديها محل عملها الخاص , بدأت حديثها: الحب والزواج هو حق عام لكل إنسان ,لأنه حاجة مثل الطعام والشراب والدفء ,فإشباع العاطفة ضرورة عند الإنسان ,والمعوق لا يختلف عن الإنسان العادي إلا بمستوى إعاقته ,لكن مجتمعنا الشرقي ينظر بنطاق ضيق ,ويعتمد على شروط عامة وعادية ,كجمال الشكل والطول واللون ,ولا يرى ما في داخل الإنسان, زرت بلاداً عديدة ولمست أن الأمر أقل من عادي ، انطلاقا من كونها حرية خاصة ويجب على الجميع احترامها, وإحساس أي طرف بالآخر معتمد على الصدق والراحة الذاتية, بالطبع هذه العلاقات التي تثمر وتحيا طويلاً, أما بالنسبة لزواج ذوي الإعاقة فنحن أمام أمرين: أن يكون أحد الأطراف سلبياً, وهذا ما يترتب عليه رفض الأهل والمجتمع ,ويلاقي كثيراً من الرفض , وإن تم الأمر لا يمكن أن يسلم هذا الزواج من الألسنة الطويلة, مع إمكانية فشل علاقة جميلة جداً بسبب التدخلات التافهة , والأمر الآخر زواج المعوقين من بعضهم ,وأنا شخصياً لا أحبذه, لأن تكوين الأسرة يحتاج لمساعدة طرف لآخر ,مع معرفتي مجالات عديدة من الشكلين أثبتت نجاحها ,لكن هذا رأيي بالعموم ,النجاح يكون عموماً بالتغلب على الإشكاليات المحيطة بالمعوق ,ومن المفروض أن تحدث مثل هذه الحالات ,خاصة الناجحة منها ,لتضرب المثل للغير.
الحب و النجاح توأمان
( ك . ز ) يعمل في مجال ذوي الإعاقة و هو فرد منهم قال: إن وجود هوة بين ذوي الإعاقة والمجتمع واضح وهذا ناتج عن عدم الثقة بقدرة المعوقين على تكوين أسرة ورعايتها, لذلك لا يوجد شجاعة من قبل الأسر لتفهم الموضوع وتقبله, والرد الأولي يكون (بصرلك أحسن), إن كان للرجل أو المرأة, والسؤال المطروح, من أي الجهات أحسن, هل من الناحية الشكلية أم من الناحية العاطفية, إن كان من الناحية العاطفية, فنحن نحب مثل غيرنا وربما أفضل وأصدق, وإن كان من الناحية الشكلية فهو قدر مفروض علينا, ولا تنس أن أي إنسان معرض لأن يكون معوقاً, من خلال حادث سير مثلاً, فلذلك الحب هو الذي يحدد العلاقة ويحافظ عليها ويحميها, إضافة إلى وجود أشخاص سليمي الشكل لكن الحياة لا تطاق معهم. وإني أرى حلاً منطقياً لذلك, وهو دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع من بداية حياتهم, بأن يتربوا سوية (مع غيرهم) في رياض الأطفال, والمدرسة الابتدائية وكل مراحل الحياة, بهذه الطريقة نلغي الهوة الموجودة بالأساس. بالنهاية أنا أعتبر تسمية (معوق) هي تمييز لنا, فهي كتسمية مهندس أو طبيب, وأقول لك: نحن نحب أفضل من غيرنا.
من حياتنا و حياتهم
( أ . ق ) أبو محمود, من ذوي الاحتياجات الخاصة, من الأشخاص المجتهدين جداً, شَكَّل أسرة لطيفة, ورُزق أطفال لطفاء, بدأ حديثه بتصميم وجدية حين قال لي:
المعوق هو الذي لا يستطيع القيام بأعماله, نحن قادرون على فعل أي شيء وكل شيء, ولا يمكن أن تقف في طريقنا أية معوقات, وكان لي محاولات عدة بالزواج وبموافقة الطرف الآخر, لكن الرفض الشديد أتى من الأهل حتى قُدر لي أن ألتقي بزوجتي الحالية, التي كانت راضية جداً, وأهلها باركوا رغبتنا, بدأنا حياة بسيطة, لكن تفاهمنا وإصرارنا وحبنا, ساعدنا على تحقيق الأفضل, وقد حاولت طوال حياتنا أن أتحمل المسؤولية على أكمل وجه ويبدو أني نجحت, السعادة تكمن بتكوين أسرة ناجحة, والحمد لله الأمور حالياً جيدة, وقد زوجت ابنتي الكبرى وهي سعيدة, لذلك أنا مرتاح, وعندما سألته هل تقبل زواج ابنتك من معوق, لم يتردد بالموافقة, إن لم يكن هنالك ما يشكل خطورة على الزواج غير الإعاقة, وتمنى تأمين وظيفة للمعوق لأنها تحل جزءاً من المشكلة. وختم قائلاً: الاستمرار هو الأساس بالنجاح, وبالطبع حقي أن أتزوج.
مختص
سهام داوؤد خريجة كلية علم النفس تقول : لاحظنا في الفترة الأخيرة بعض الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة ، من خلال عدد من الجمعيات الخيرية ، و أحيانا تضمينهم في حفلات عامة تخص مناسبات منوعة ، لكن الأخرى من ذلك أن يكون الاهتمام بهم عبر جداول زمنية و عملية ( مستمرة ) ، يعني كل حسب حاجته النفسية و الجسدية ، و الانتقال إلى المرحلة التالية بناء على الاستجابات الأخيرة عند الفرد منهم ن حتى نصل لبداية حياتية حقيقية ، من جهة أخرى ، لا بد من إيجاد مكان لهم ضمن كل الشرائح الاجتماعية ، و الدلالة على أهمية و كيفية التعامل معهم و الاندماج الحقيقي الذي يفضي إلى نتائج ممتازة ، و هنا يكون دور الاعلام ضروريا .
المحرر
تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين, وربما مشكلتنا الأساسية, أن نسمح لأنفسنا بالتدخل الفظ بحياة من حولنا, ومحاولتنا الممجوجة إقحام آرائنا بأنوفهم , مع إحساسنا الدائم بصوابية رأينا , وخطأ الآخرين, الزواج مسؤولية كبرى, وهو أصعب القرارات التي يأخذها الإنسان في حياته, لكن مجتمعنا ظالم أحياناً, ينادي بالقيم ولا يتصرف على أساسها, فالفرد يبرر لنفسه ما يمنعه على الغير, وكم من الجميل أن نساعد حتى ولو بالكلمة لتحقيق غاية جميلة كتشكيل الأسرة, خاصة بوجود الحب صانع المعجزات, وكما قال أفلاطون: الحب يلغي كل الحدود.
شريف اليازجي