إنه الصباح … الأطفال ينوؤون بحمل حقائبهم الثقيلة ، يمرون من أمام موقفي الصباحي المعتاد .. أبتسم لهم فيبادلونني الابتسام بفرح ، إلا ذلك الطفل ، ينظر إليّ بعدائية واضحة وهو يمسك بيد رفيقته .. وأنا أزيد من جرعة الابتسام وأضيف عبارات جديدة من الترحيب والتشجيع . في كل صباح يأخذني مظهرهم إلى طفولتي .. صدرية المدرسة الترابية اللون ، كنت مضطراً لحمل حقيبتين بيد واحدة والأخرى تقبض على يدها الغضة كلعبة أخاف أن أضيعها … بين يدي ويدها يسري شيء غريب لم أكن أدركه .
كم كنت أشتهي أن أتذوق طعم الشوندر الأحمر المسلوق ، رغم أنني كنت أشتريه وكانت تلتهمه بفرح فأحس بالشبع وتذوب حلاوته في شراييني . ذلك الصباح المميز مشينا ببطء حتى تخلفنا عن رفاقنا ، لم يحفز صوت قرع الجرس أي شعور ، حتى بالكاد سمعناه ، خلف المدرسة جلسنا … لم يكن للكلمات معنى ، لم يكن هناك كلمات حتى نتبادلها ، طوقت عنقها البريء بذراعي … طبعت ببراءة الأطفال قبلة طويلة على خدها ، أخذتني خارج الزمان والمكان حتى أنني لم أشعر بالألم إلا بعد العصا الثالثة أو الرابعة التي سقطت على كتفي وأعادتني للواقع .
فوق جثتينا الضئيلتين كان ظل ضخم يحجب السماء ويصرخ : يا أوغاد ماذا تفعلون ؟ غدونا صماً بكماً … من عينيها سقطت دمعة صامتة … مسحتها بيدي فبدأت العصا تعزف على جسدي سيمفونية من الألم .
خلال دقائق كنا في الباحة أمام الطلاب ننال حصتنا من التأديب والتقريع … منذ تلك اللحظة لم تلمس يدي يدها نظرت إليه أرى فيه طفولتي …
ناديته بلطف وهو ينظر إلي بعدائيته التي ألفتها ، تعال لأقول لك شيئاً … انحنيت إلى جانب رأسه وهمست في أذنه ممازحاً : إياك أن تقبلها خلف المدرسة فيمسك بك الأستاذ ويعاقبك . تبسم لأول مرة في وجهي ، استدار إليها وبتحد واضح طبع قبلة حنونة على خدها ، وبتحد أكبر قال لي : لن يعاقبني الأستاذ إن قبلت أختي الصغيرة .
صادق مجر