مذكرات عشيقة سابقة …غلاف لفصل من المأساة

للأسف الشديد ينحو بعض كتاب الدراما لتسويق أعمالهم الدرامية , فيقدمون فصلاً من الأزمة الراهنة بكل ما تحمله من مآسٍ وفواجع وخراب دون الغوص الجوهري في أبعاد هذه المأساة التي سميت (مأساة العصر) وهكذا نحن أمام عمل يغري البعض في متابعة هذا الفصل الذي غلف بقصة الخيانة الزوجية, ولكن ما قدم يتجاوز هذه العلاقة الشائكة, فالعمل حاول قراءة الواقع المتشظي بعين صادقة وهو من الأعمال التي حاولت أن تلامس الجوهر للمأساة الدامية.
سيناريو ….يحاول قراءة الواقع
قدمت الكاتبة والسينارست نور شيشكلي نصها الدرامي بعنوان (مذكرات عشيقة سابقة) وهي تحاول أن تتلمس بعضاً من المأساة السورية, لقد اختارت زاوية ضيقة وحاولت أن تسطر ما يحدث أمامها, لقد سمعت تلك الحكايات التي تروي فصولاً من المأساة وزجت بها في بنائها الدرامي وكانت إلى جانب كبير قد أصابت, لقد كان مدخل العمل يلج صلب الموضوع, زوج يحمل زوجته للمشفى وهي تكابد آلام الولادة, وكأنها تحملنا رسالة واضحة وهي أن هذه الأمة التي تعاني ماتعانيه ما هي إلا آلام ولادة وإن كانت عسيرة, ولكنها ولادة من جديد تحمل الخير والسلام لشعب لاينشد إلا السلام ولابديل عنه, رغم أن الزوج قد تم توقيفه ومصادرته على هذا الحاجز المجهول الهوية, بالرغم من كل ما يحمله من دلالات وإشارات إلا أنه كشف عن وجه قبيح ومرعب من فصول المأساة, شخصية (عابد) المحورية التي لعب دورها الفنان المتميز باسم ياخور, هي شخصية مرعبة بما تحمله من ملامح مافياوية, تاجر سلاح وتاجر بشر ,نعم تاجر بآلام وعذابات البشر, وشريك في إشعال الحرائق والخراب في بلدنا , يحرسه جيش من المرتزقة , وكان السبب في مقتل أخيه المخطوف, ولهذا فإن أمه التي لعبت دورها الفنانة القديرة ضحى الدبس, قد حملت دم أخيه المخطوف وهي تدرك بحسها الغريزي بأن ابنها مشارك في سفح الدم السوري البريء, وزوجة عابد هي الممثلة(ديانا) التي لعبت دورها الفنانة الحسناء اللبنانية نيكول سابا وهي تعيش مع زوجها (عابد) في حالة شجار دائم مما يدفعها للثأر منه بأن تقيم علاقة عشق مع المزين النسائي (باسم) ولعب دوره الفنان اللبناني طوني عيسى, وزوجة (باسم) كشفت أسرار هذه العلاقة المشبوهة بين (ديانا وباسم) وفي الطرف الأخر هناك شخصية (هنادي )التي لعبت دورها الفنانة كاريس بشار, نعم هي الأم التي كانت على وشك الولادة ويختطف زوجها (أيهم) الذي لعب دوره الفنان علاء الزعبي من حاجز مجهول ويغيب في غياهب السراديب ودون أن يعرف عنه شيء, وأخت هنادي التي لعبت دورها الفنانة شكران مرتجى ولها بنتان من زوجها الغائب في الخارج الذي ترك حملاً ثقيلاً وهو مسؤوليتها عن البنتين الكبرى في طور المراهقة التي لعبت دورها الفنانة اللبنانية الشابة وليا مباردي, وتواجه هنادي وأختها مصاعب لتصل لدرجة كارثية , وأثناء البحث عن الزوج المخطوف, نتعرف على النصابين والمحتالين الذين يتاجرون بعذاب وشقاء أهل المخطوف وسرقة مدخراتهم المتبقية, وبعد الخيبة المريرة تسعيان لتامين تكاليف السفر للخارج بعد أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت, يقدم لنا هذا العمل فصلاً مأساوياً مما يحدث على أرضنا الحبيبة, فصل يفرد مفردات ومخلفات حرب ظالمة وقذرة على شعب بسيط يواجه قوى تعيث فساداً وخراباً وتحركها من الخارج أيدٍ ملوثة بدماء الأبرياء.
مبارزة بالأداء
لقد حلق أكثر الفنانين بهذا العمل ومنهم باسل ياخور الذي جهد أن يقدم أداء يلون هذه الشخصية التي تحضر من بداية العمل للنهاية, الفنانة نيكول سابا حاولت مجاراة الفنان باسم, وقدمت أداء مقنعاً ولعبت فتنتها في هذا, الفنانة كاريس بشار جهدت كثيراً في نسج تلوين تفاصيل شخصية هنادي التي تعرضت لمصائب مهولة, ولكن التي بهرت الجميع هي الفنانة الرائعة والساحرة شكران مرتجى, لقد حلقت بعيداً عن الجميع وأثبتت بأنها تحمل الكثير الكثير من العطاء الفني, الفنانة الكبيرة ضحى الدبس لعبت دور أم (عابد) المفجوعة مرتين الأولى بقتل ابنها الأول والثانية بأن ابنها الثاني هو شريك في سفح دم أخيه ودماء أبرياء كثر, الفنان اللبناني طوني عيسى قدم قراءة للعشيق الانتهازي الذي يبحث عن فرصة لتحسين وضعه المعيشي, الفنانة سحر فوزي لعبت دوراً يحسب لها.
إخراج يحمل النضج
لقد استطاع المخرج هشام شربتجي بما يحمل من نضج فني كبير أن يترجم هذا النص الدرامي ,فحرك ممثليه بطريقة انسيابية مرهفة, وضبط إيقاع العمل من البداية للنهاية, وربما أدت بعض المشاهد المكررة بمحتواها الفكري إلى أن تبعث قليلاً من الملل, ولكن هذا لايقلل من الجهد والخبرة الكبيرة التي يتمتع بها هشام شربتجي, فلم نشعر بأنه يحرك الكاميرا بطريقة استعراضية, بل هي أبسط من هذا, نص واقعي ورؤيا واقعية أنتجت عملاً محترماً ,يعيد لنا بالصورة الحية ما حدث ويحدث لنا.
محمد خوجة

 

المزيد...
آخر الأخبار