على ضفاف العاصي : دارُ علْم ٍوأدبْ وسرور ٍوطرَبْ!

نماذج ، ومجسّمات ، ورسوم ، وملصقات ، وورق مقوى .. كل ذلك صار جزءاً لا يتجزأ من المواد العلمية التي تُدَرّس في المدارس ، لم يكتفوا بتكثيف البرامج تكثيفاً غير معقول ، ولم يكتفوا بتعقيد المعلومات تعقيداً يلفت الأنظار ، ولم يكتفوا برفع مستوى المناهج ارتفاعاً لا يستوعبه الطالب العادي ، ولم يكتفوا بغضّ النظر عن وجود أو عدم وجود كادر تدريسي مؤهّل لشرح وتبسيط المواد المقررة ، ولم يكتفوا أيضاً بإجبار الأهل على أن يكونوا معلّمين رغم أنوفهم ، وأن تتحول البيوت إلى مدارس ثانية تعوّض النقص ، وتسدّ الثغرات التي تركتها مدارس لم تستطع أن تجاري ما استجدّ تعليمياً ، أجل .. لم يكتفوا بذلك كله ، بل أضافوا إليه الآن وسائل إيضاح لا تُطلب من الأستاذ ، بل تُطلب من الطالب المرهق ، وتزيد من عنائه وتعبه وصعوبة استيعابه .
أصبحت المدرسة كابوساً أسود بالنسبة للطالب ، وأصبحت هماً مستديماً يلاحقه آناء الليل وأطراف النهار .. افتقد الشفافية ، وخسر الحماسة ، وخُنقت رغبته في الاستمرار .
فمن غير المعقول أن نشغل الطالب كلّ سويعات حياته ، من غير المعقول أن نقضي قضاء مبرماً على أوقات فراغه ، أن نمنعه من ممارسة هواياته، وتنمية مواهبه ، وتشجيع ميوله ورغباته .. هو بالتأكيد ليس ( حاسوباً ) يحفظ ما يُلقَّن ، ويسجّل ما يُعطى ، ويردد كالببغاء ما يُلقى أمامه ، أو ما يسجّل على دفتره ، أو ما تسطّره المطابع على صفحات كتابه ، إنه إنسان أولاً وأخيراً ، إنسان له مشاعر وأحاسيس ، إنسان له ميول وهوايات ، إنسان يريد أن يرّوح عن نفسه بين حين وآخر ، فقد جاء في المأثور : ( روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة ، فإن القلوب إذا كلّت عميت ) !!
في أيامنا نحن .. كانت هناك حصص رسم ، وحصص أشغال ، وحصص رياضة، وحصص مطالعة ، وحصص أناشيد .. فأين هي الآن ؟! ولم تكن مناهجنا بسيطة ، سطحية ، متدنية المستوى .. كما يتهمونها الآن !
بل كانت مناهج رصينة ، لها ثقلها ، لكنها تعطينا المعلومة بكمّ معقول ، ولغة مبسّطة ، وأسلوب ماتع شائق جذاب ، كان في استطاعة أيّ طالب منا ، بغضّ النظر عن حدّة ذكائه ، أو مستوى تفكيره ، أن يستوعب باقتدار كل ما يُعرض أمامه ، سواء أكان على لسان الأستاذ ، أو على لسان الدفتر والكتاب ، ويتمكن في الوقت ذاته ، من أن يمارس هواياته عبر الدروس الأخرى التي تهتم بموهبته ورغباته أجل ، كان التوازن قائماً ، ومحققاً بين العلم والموهبة ، بين العقل والنفس ، بين المدرسة والبيت ، بين الدروس والأنشطة !!.
هل تعلمون يا سادة … أن بعض المدارس في دول أجنبية ، لا يخرج الطالب من دوامه اليومي فيها ، إلا بعد أن يختم قراءة دروسه ، وينتهي من كتابة وظائفه ، وليس هناك أي واجب مدرسي يلاحقه بعد وصوله إلى بيته ، فالبيت فقط للراحة ، والاستجمام، وممارسة اللعب ، وتنمية المواهب والهوايات !!
قد لا نتمكن نحن من مجاراة هذه الدول ، لكننا نطالب بما هو في حدود المعقول، فلنرحم طلابنا ، ولنَسْعَ إلى تربيتهم تربية أنموذجية ، ولنعمل على إنعاش ذواكرهم ، وتوسيع مداركهم، وتحليق مخيلاتهم ، ورفع مستوى ذوائقهم العلمية والأدبية والفنية ، كل ذلك في إطار تربوي يرفق بهم ، ويخفف عنهم زحمة العلوم ، وضغوط الدراسة ، وقسوة الزجر والنهر !!

د . موفق أبو طوق

المزيد...
آخر الأخبار